إضاءاتالعناوين الرئيسية

“غيوم داكنة”.. أحمد علي هلال

|| Midline-news || – الوسط

.

الفيلم الروائي “غيوم داكنة” هو التجربة الإخراجية الثانية للفنان القدير أيمن زيدان، الذي كتب نصه بالاشتراك مع ياسمين أبو فخر، ولعل هذا العنوان بكثافة شجنه يأخذنا إلى تلك المساحات الظليلة للحرب وآثارها الضارية على النفوس والأحلام والمصائر، لزمن آخر يُستعاد فيه الحنين.

يقول الدكتور أحمد (وائل رمضان) بطل الفيلم- الطبيب العائد من الخارج إلى وطنه إثر صراعه مع مرض عضال: “كثيرون يحبون أن يعودوا لأوطانهم ليعيشوا فيها، وثمة من يعود ليدفن فيها”. عبارة دالة تشي بتحولات الفيلم ومفارقاته ومحمولاته الوجودية وظلاله الرمادية. تنتقل الكاميرا في أفق تشكيل رؤيوي باذخ المعنى، إلى العمق أكثر حيث التفاصيل التي تترك للصورة أن تقول ما يعجز عنه الكلام أحياناً، بصمتها العالي وتواتر الحكايات المستلة من زمن مضى وقد لا يعود.

تلك مقولات الفيلم الكبير/ العميق في دلالاته، ليحاكي بضع حيوات تتناهبها مفارقات العيش والأحلام، وكل ذلك لا يتطير من ثيمة الموت، الذي ألقى ظلالاً شاحبة على الوجوه والكلمات، ما خلا ذلك الدور الذي اضطلع به بجدارة الفنان محمد حداقي “كمن يرش على الموت سكر”. لكنه المتطير إلى حلاوة الروح بطرافة كلماته، وتأثيثاً مشهدياً آخر يواسي صمت الحكاية.

يقول الفنان أيمن زيدان: “من كل هذا الوطن الرحب لم يتبق سوى فسحة ضيقة عابقة بأغاني زمن مضى وأشخاص لم تلوثهم أدران الحرب الملعونة.. في تلك الفسحة نعيش ما تبقى لنا”. ويعطف بجمل أثيرة ستمثل السياق غير المكتوب للفيلم. بل نهضت الصورة كمعادل بصري حيوي له، لتتصادى فيها مقولة الفنان زيدان “تباً لقسوتك يا زمن، كيف خلعت أثواب الفرح وتركتنا أسرى الحنين.. يا لقسوتك أيها القوي كنت يوماً مسكوناً بالدفء”.
بوسع المشاهد هنا أن يلتقط ترجمة لهذه الكلمات بأداء وائل رمضان؛ العميق. والذي يضاعف تأويلنا للحكاية وآثار الحرب العميقة، وكيف تتصادى في المشاعر كلها تلك الحكاية السورية الكبيرة، حكاية أبطالها الطليقون داخل الحرب وخارجها، لا سيما نسوة الحرب في الفيلم اللاتي يكرسن وعياً نسوياً يمثل فارقاً في تحولات الحكاية، فهن ضمير الحكاية الجمعي، الحكاية التي لا تنتهي فصولاً وآثاراً ونتائج، فالحنين مقابل الموت، والحياة مفتوحة على بقية الحلم.

“غيوم داكنة” رؤيا مخرج مبدع حمل الفيلم كنشيد في زمن يابس، لا ليواسي الأرواح الشريدة، بقدر ما نقش بضع حروف على جدارية الألم السوري: فمن يقشر هذا الألم كلمة ونصاً وكاميرا سوى معجزة الحياة، التي تنتظر الحالمين ليحملوها تميمة في أرواحهم.
وهو يأخذنا بصوره إلى مأثرة السينما في تعضيدها للوعي، فهو الأكثر حضوراً في ذكرة المتلقي، الأكثر ترجمة لحلم… فالحياة بوسعها أن تحلم أيضاً.
.

*كاتب وناقد فلسطيني.. سورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى