غشٌ إلكتروني .. بسام العطري
في عصر التقانة والإنترنت أصبحت كثير من تعاملات الأفراد – إن لم يكن كلها – تأخذ منحى الأتمتة وذلك على مستوى العالم ككل ، لا سيما في ظل جائحة ” كورونا ” ، فصرنا نرى معاملات كاملة تتم إلكترونياً عبر الإنترنت وجوازات سفر ورخص قيادة يتم إصدارها كذلك إلكترونياً عبر ملء الاستمارة الخاصة عن طريق الإنترنت
راجعني أحد الموكلين منذ عدة أيام، وكان لديه مشكلة تتلخص بأنه أثناء تصفحه للفيس بوك لفت نظره إحدى الصفحات المتخصصة بالمفروشات، وعند دخوله تلك الصفحة وجدها تعود لشركة تجارية تبيع المفروشات الفاخرة على اختلاف أنواعها وأصنافها، وعندما استعرض الموديلات المعروضة على الصفحة أعجبه أحد تلك الموديلات، فتواصل مع الشركة على الخاص واستفسر منهم عن مواصفات الموديل الذي أعجبه ونوعية قماشه والخشب المصنوع منه والسعر الذي يطلبونه، فأجابوه عن تساؤلاته تلك بأن نوعية المواد المستعملة في صناعتهم مواد ممتازة الجودة سواء من حيث الخشب أو الأقمشة أو الاسفنج، وحددوا له السعر الذي يجب أن يحوّله لهم في حال قرر الشراء..
بالفعل بعد أيام عاود الاتصال بهم وطلب منهم حجز الموديل الذي اختاره وأعلمهم بأنه سيحوّل ثمنه لهم، فأخبروه بأنهم سيقومون بشحنه إليه خلال يومين من تاريخ وصول التحويل إليهم… بعد يومين من قيامه بتحويل المبلغ تلقى اتصالاً يفيد أن الشحن تم إلى عنوانه وسوف يصل خلال فترة وجيزة.. بعد ساعات وجد أشخاصاً يقرعون باب منزله، كان واضحاً أنهم حمّالون، ما أن أدخلوا ما يحملونه إلى المنزل حتى بدأ الرجل يصيح بأن طقم الجلوس هذا يختلف عن النوع الذي طلبه وشاهده من حيث الجودة ونوع القماش ونوع الخشب ووو… أجابه العمّال بأن لا علاقة لهم بهذا الموضوع، فهم مجرد عمال توصيل وتحميل. فاتصل بالشركة لكن لم يرد عليه أحد! وانصرف العمال وتركوه في حيرة من أمره.. عاود الاتصال مرات عدة دون جواب.. استمر على هذه الحال لمدة يومين أو ثلاثة إلى أن حظي بالرد من قبل موظفة الشركة التي أجابته بلطف وراحت تسوق له الأعذار والمبررات وأفهمته أنهم على استعداد لإبدال طقم الجلوس الذي استلمه، وأن هناك خطأ من قبل عمال المستودع الذين أرسلوا له طرازاً آخر يختلف عن الذي اختاره. ثم مضى أكثر من شهر وهم يماطلونه بوعود كاذبة وكلام معسول لا طائل منه ولا جدوى!
– ماذا يمكننا أن نفعل في مثل هذه الحال ؟
هدّأتُ من انزعاجه قليلاً، خصوصاً أنه اعتبر أن في الأمر ما يمسّ من كرامته الشخصية في طريقة التعامل بمثل هذا الاستخفاف الذي بدر من الجهة البائعة، وبعد تفكير سريع أجبته بهدوء:
– أمورك بخير يا عزيزي .. لقد تم خداعك وغشك من خلال استعمال الإنترنت أو ما سماه المشرّع لدينا في سوريا “الشبكة”، وهذا الأمر يجعل ما تعرضت له “جريمة معلوماتية” أو إلكترونية كما هو التعبير الشائع.
سألني بلهفة شديدة: – وماذا يعني هذا الأمر ؟
أجبته: – هذا يعني أنه ستتم ملاحقتهم عن طريق فرع مكافحة جرائم المعلوماتية؛ بعد إحالتنا من قبل المحامي العام إلى الفرع المذكور بموجب معروض أصوليّ نشرح فيه الجرم الذي تعرّضت حتى يصار للتحقيق في ذلك ثم يحالون إلى القضاء لينالوا عقابهم.
– هل سيعاقبون بالحبس يا أستاذ ؟
فقلت: – إن ما تعرّضت له معاقب عليه قانوناً وذلك بنص المادة /52/ من قانون حماية المستهلك التي جاء فيها أنه:
“يعاقب بالحبس سنة على الأقل وبغرامة قدرها مليون ليرة سورية كل من خدع المتعاقد معه في المواد أو المنتجات أو السلع بأي وسيلة كانت في أي من الأمور التالية: 1- حقيقتها أو طبيعتها أو مواصفاتها المحددة في تركيبها أو تاريخ إنتاجها أو صلاحيتها أو علامتها التجارية . 2- تسليمها خلافاً لما تم التعاقد عليه من حيث العدد أو المقدار أو المقياس أو الكيل أو الوزن أو الطاقة أو العيار أو النوع أو الأصل أو المصدر أو الجودة”.
وحيث أن عملية خداعك تمت من خلال الشبكة كما أسلفت لك قبل قليل فإن العقوبة ستتضاعف في مثل هذه الحال لتصبح سنتين بدلاً من سنة واحدة وذلك وفقاً للمادة /28/ من قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، والتي جاء في الفقرة /ب/ منها أنه: “يضاعف الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية النافذة الأخرى في إحدى الحالتين التاليتين: 1- إذا ارتُكبت الجريمة باستخدام الشبكة أو وقعت على الشبكة”.
أخيراً لاحت ابتسامة الارتياح على وجه موكلي وقال:
– ما يهمني بالدرجة الأولى رد اعتباري وذلك بعدم سكوتي عن محاولتهم استغفالي والتلاعب بي، وردعهم لئلا يكرروا أفعالهم هذه مع غيري ممن لا يفكرون باللجوء إلى القانون والقضاء، مما يجعلهم يتمادون في غشهم وخداعهم للناس.
*محام ومستشار قانوني- سوريا
-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews