
المهدئات والعقاقير ربما خدّرت إحساسي وأفقدتني الشعور بما حولي.
قررت ألّا أتناول الحبة. ولملمت الأشياء التي ستصحبني في الرحلة، ثياب السباحة، نظارتي الشمسية، وغير ذلك.
وضعت الرواية التي أوصاني زوجي بأخذها مع حاجياتي قبل أن أنساها وأتعرّض بعدها للومه واتهامه لي بعدم التركيز كعادته..
قرأت عنوانها “عندما تتداعى الأشياء”. عنوان غير جذّاب في نظري! لكن زوجي له ذائقة لا يختلف عليها أحد كما يردد دائما.
آآآه ،كم كان يهينني ويصفني بالفارغة، ويبدي أشدّ الندم لأنه تزوج من أمرأة لاتناسب عالمه! عند دخولي عليه في الشرفة كان يتحدث في جواله: عليك أن تقرأ الجزء الأول وتعطيني رأيك، رواية رائعة وتستحقّ القراءة. أنهى اتصاله بسرعة. نظر إلي قائلاً بحنو: صباح الورد حبيبتي.. هل أخذتِ الدواء؟
أجبت وشعور طفيف بالذنب يساورني: نعم.
على الشاطىء جلس زوجي يمارس هوايته في قراءة الروايات.. وعلى مقربة منّا جلست سيدة حسناء على كرسيّ من السّعف تقرأ إحدى المجلات بمتعة. ثم تنادي كلبها وتزجره أحيانا عندما يأتي ويجلس بالقرب من زوجي، تفحصتها بحسد وعجب.. كيف للقراءة المملّة أن تشدّها وأمامها هذا الأزرق الدافىء بكل روعته وجماله؟ شعرت بألسنة الغيرة تلفحني عند رؤيتها لكنني قرّرتُ أن أستمتع بوقتي.. جهّزت نفسي لممارسة هوايتي المفضلة، سبحت بشغف، أغمضتُ عينيّ لفترة طويلة جلبت فيها كل ما استطعته من راحة واسترخاء.. نظرت فجأة الى الشاطىء رأيته واقفاً مع تلك السيدة! يضع يده على كتفها وربّما يضعها على وجهها، لم أكن أرى المشهد جيداً عن بعد، لكنني متأكدة أنني أرى يده تلمسها، دق قلبي بعنف، غلت الدماء في عروقي، أغمضتُ عيني بقوة وفتحتهما لأتاكّد ممّا رأيت!
المشهد كان حقيقة من دون شكّ.. أخذتُ أسبح بقوة للعودة إلى الشاطىء.. أبصرته بأمّ عيني لا مجال للإنكار، ليست تهيؤات كما يحاول أن يقنعني في كل مرة!
وصلت الى الشاطىء بعد أن نال مني التعب والإرهاق، التقط أنفاسي بصعوبة، وعضلات قدمي مشدودة بقوة تجعلني أتأوّه من الألم.. نظرت إلى زوجي وجدته مازال يقرأ روايته. الجلسة ذاتها، الاستغراق البادي على محياه ذاته، وكأنه لم يتحرك من مكانه.
أصبت بالارتباك، رحت أنظر إليه وجسمي كله يرتجف… نظر لي قائلاً بشكّ: هل أنت بخير؟
هززتُ رأسي أن نعم دون أن أنطق.. لكن جمجمتي تكاد تنفجر، أكاد أُجنّ. هل رأيتهما معاً أم هي تهيؤات كما كان يقول دائما؟ جمعت أشيائي للعودة الى البيت، وعند جلوسي في السيارة نظر زوجي الى أسفل مستهجنا: أين حذاؤكِ؟ تلعثمت، تضاعف ارتباكي، رجعت الى الشاطىء، وشعور طاغٍ بالحزن يبتلعني، صرت أرى بوضوح فقداني القدرة على التصرف بصورة طبيعية دون ذلك الترياق اللعين.
لم أجد حذائي في مكانه! يا الله… أنا متأكدة أني وضعته هنا!.. أفلتت مني نظرة فضول لم أستطع كبحها تجاه تلك السيدة، قرأت عنوان الكتاب الذي كانت تقرأه!
إنه الجزء الأول من رواية “عندما تتداعى الأشياء”.
.
*شاعرة وكاتبة من ليبيا
*اللوحة للفنان التشكيلي محي الدين حمصي- سوريا
.
-تابعونا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews