من عصبة الأمم .. إلى أين؟.. عصام داري ..

من يتذكر أو يذكر (عصبة الأمم)؟، ولماذا نسأل عن هذا التكتل الدولي الذي تم إنشاؤه في أعقاب الحرب العالمية الأولى؟.
كان الهدف من إنشاء عصبة الأمم التقليل من عملية التسلح العالمية وفكّ النزاعات قبل ان تتطور لتصبح نزاعاً مسلّحاً كما حدث في الحرب العالمية الأولى، لكن تلك المنظمة مُنيت بفشلٍ ذريع كان نتيجته قيام الحرب العالمية الثانية التي حصدت ملايين الضحايا.
وعلى أنقاض “عصبة الأمم” قامت “منظمة الأمم المتحدة“، وتقاسم المنتصرون المكاسب والغنائم في هيكل المنظمة الدولية ذاتها عندما أعطوا لأنفسهم ما يعرف بـ “الفيتو”، أي حق النقض الذي ينسف أي قرار أو مشروع قرار بكبسة زر، وهذا سيؤدي لاحقاً إلى تراكم الأخطاء التي ستؤدي بالمحصلة إلى حدود الانفجار.
وإذا كان الهدف من إنشاء عصبة الأمم هو التقليل من سباق التسلح والحيلولة دون حدوث نزاعاً مسلحاً، فإن الهدف من تأسيس هيئة الأمم المتحدة هو: المحافظة على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعالة لمنع وإزالة الأخطار التي تهدد السلام وإلى تنمية العلاقات الودية بين الدول.
لكن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وما رافقها من سباق تسلح محموم كاد أن يشعل المواجهة بين القطبين العالميين بشكل مباشر عدة مرات، إضافة إلى إبقاء حالة التوتر على أشدها على الساحة الدولية، وفي بؤر التوتر فيها، ومنها المنطقة العربية.
هكذا يبدو أن هناك علاقة وثيقة بين المنظمتين الدوليتين، فكلاهما قامتا في أعقاب حرب عالمية مدمرة، والمنظمتان رفعتا شعار حماية الأمن والسلم الدوليين، وبالنتيجة فشلت المنظمتان في تحقيق الهدف من إنشائهما، فأدى فشل “عصبة الأمم” إلى حدوث الحرب العالمية الثانية، أما فشل منظمة الأمم المتحدة فأدى إلى كل الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان وسباق التسلح وكل المخاطر الأخرى التي حدثت وتحدث على مدار الساعة.
لو قامت الأمم المتحدة بدورها لكانت قضية الشرق الأوسط قد انتهت منذ سنوات طويلة، وكان السلام يخيم على هذه المنطقة منذ زمن.
لو أن منظمة الأمم المتحدة أخذت دورها المنصوص عليه في ميثاقها لما كانت حرب فيتنام ولا التدخلات العسكرية الخطيرة في أميركا الوسطى والجنوبية والتي أدت إلى تغيير أنظمة الحكم في تلك الدول.
لو قامت الأمم المتحدة بدورها لما شنت الولايات المتحدة العدوان تلو الآخر على أفغانستان والعراق والصومال ويوغسلافيا والسلسلة تطول.
لو كان هناك أي دور للأمم المتحدة لما حدثت الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا، مع العلم أن هناك تحليلات دولية تتحدث عن حرب عالمية ثالثة قد بدأت مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
كل ذلك يؤكد أن الأمم المتحدة صارت على بعد خطوات صغيرة من شقيقتها الكبرى عصبة الأمم، وهذا الكلام ليس وليد الساعة، فهناك ساسة ومحللون ومفكرون حذروا منذ سنوات من أن يكون مصير الأمم المتحدة كمصير عصبة الأمم، وبالتالي أن يصبح العالم غابة كبرى يأكل فيها القويُ الضعيفَ.
الحل إذا ما أريد لهذه المنظمة الدولية ان تستمر وأن تقوم بدورها على أكمل وجه، الحل يكمن في إصلاح الأمم المتحدة بكل مؤسساتها والمنظمات المنبثقة عنها، وأولها مجلس الأمن الذي يجب ألا يكون أداة في أيدي الدول الخمس دائمة العضوية بحيث تستطيع وقف أي مشروع قرار حتى لو كان هذا القرار يمنع حدوث حرب هنا، أو مواجهة هناك.
الحرب في أوكرانيا لن تستمر إلى ما شاء الله، ومن المرجح أن تكون الولايات المتحدة أكبر الخاسرين منها، وهذا يعني أن النظام العالمي القائم على (الأحادية القطبية) سينتهي آجلاً أو عاجلاً.
فماذا تخبئ الأيام، وما هي الاحتمالات التي قد تحدث وتكون بمثابة بداية جديدة لزمنٍ ونظامٍ دولي جديد؟.
*كاتب سياسي – سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..