|| Midline-news || – الوسط …
كما لو أنها كانت تعد نفسها لصلاة ما، ليس كما لو أنها.. كنت دائماً أعتقد أنها تلاطف إلهاً يخصها وحدها..
في البدء تحكم ربط منديلها الأبيض، تشده حول رأسها شداً، لا يدع فرصة لشعرة واحدة أن تنفلت خارجه لتسترق النظر إلى ذلك الطقس اليومي الهادئ والجليل.
الصمت يهمي كمطر خفيف فوق كل شيء. الدجاجات تصمت في الخارج وتتوقف الجارات عن الصراخ على أبنائهن، حتى جهاز الراديو المعلق على الجدار يصمت. أو هكذا كان يخيل إليّ! وكنت أدخل في السكينة.
وعندما كانت تخطو خطواتها الراسخة والعارفة إلى إناء الماء؛ كانت أصابعها تقوم بعملها لتطوي أطراف أكمامها وتبدأ بغسل يديها، ذلك الغسل البطيء المتأني، بينما شفتاها تتمتمان بأشياء غامضة. ولم يكن يبدد صمت المكان سوى حرف شين طويل تتردد أصداءه:
اشش… وأشهد.
ساجدة أمام طشت النحاس تضع الجدة طحيناً أسمراً، تصنع حفرة في الوسط وبأصابع ثخينة وحريصة تفك صرة قماش صغيرة لتنبعث في الهواء رائحة حامضة لكنها أليفة للغاية.. إنها الخميرة، قطعة صغيرة من عجين الليلة الفائتة، بل قل إنها روح الخبز المتناسخة المستمرة الأبدية.
طحين أسمر وخميرة وملح.. الملح الذي تكنّ له الكثير من التبجيل وتسبغ عليه مسحة من القداسة، وبقدر مدروس بعناية ودقيق إلى أبعد حدّ، كان هناك الماء لتستغرق بعدها في عجين طويل خاشع لا متناه وكأنها ستطعم العالم برمته خبزاً.
.