صنّاع الحياة … أحمد علي هلال

إذا كانت صناعة الحياة تحيل بالبداهة إلى أولئك الحاضرين بين ظهرانينا كقطع ماس نادرة، قد تدركهم البصيرة وحدها، أولئك الذين يتكلمون عن الأمل كطريقة عيش أكثر منها طريقة في التفكير، فهم المسكونون بهاجس التغيير لا التفسير فحسب، لأن في التفسير وحده تنفصل الحقيقة عن سياقها الواقعي المكتنز بمركب الآلام والآمال، فقد صدحت أدبيات الأمل شرقاً وغرباً بأعالي أناشيدها، وظلت كتمائم تُروى عند كل انعطافة أو انخطافة لفكرة تساور كاتبها أو تقض مضجعه، أو تحمله إلى فضاءات فردوسية ماتعة، فكم ثمن الأمل ونحن نستخرجه من سبائك أيامنا الحارقة، ليصبح عقداً يطوق جيد كلماتنا؟. قد قيل إن الأمل موهبة، لكن ذلك لا يكفي، بل أن صناعته هي من تشي بالموهبة المنصهرة، لتسيل على دروب الأيام المتعبة.
صنّاع الحياة
في المقابل فإن لليأس أثمانه الباهظة، لاسيما أنه يضاعف غربة الأرواح، ويمسك بها بأصابع من شوك، إذ ليس للأمل أزاهيره المدماة، بل هو ميقات الشروق، وكم علينا انتظاره ليصبح استحقاق لغة لم تعد عاطلة عن الأمل وتنفس صباحاتها، كان شأن الفلاسفة والمصلحين الاجتماعيين والتربويين وعمال الكلمة بأن يقيموا للأمل أعراسه ويستنهضوا الأرواح الغافية تحت ظلال الألم، من زمن الحروب، إلى زمن الأوبئة، وزمن الفقر، إلى أزمنة الفقد، إلى زمن التفاهة!. فما الذي يحدث إذاً، وفي حدوثه تبدو المصائر والأقدار كبريد عاجل يجلس وحيداً قرب نهر الأحزان ويبكي، وما تلبث الحكاية أن تصبح حكاية أخرى لتعبر قوس جدليتها، وتتأبط نهاراتها القادمة، كم كان المتنبي صائباً حينما أنشد ذات يوم: “على قلق كأن الريح تحتي”، ونظيره محمود درويش حينما قال: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”؟!. فمن يرث الأرض سواهم سَدَنة الأمل؟! لاسيما في أزمنة كان اسمها.
صنّاع الحياة
وعلى لسان الروائي الراحل ادوارد الخراط، “برقرقات الزمن الملحي”، فمن الصلابة إلى السيولة، وكل صلب سيصبح أثيراً، نعبر أزمنتنا مترعين بالذكريات والحنين، وبزخم الصور، إذ الصورة هي الحضور العصي على النسيان، نسارع لالتقاط صورة جماعية لنقف بالزمن عند لحظة بعينها، تصبح استعادتها دورة جديدة للزمن ذاته، وللأحلام المسروقة والأوقات العصيبة المنهوبة ليأس عابر.
*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
.
لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews