
|| Midline-news || – الوسط …
.
بينما كانت “الكوافيرة” تضع الصبغة على شعري، سمعتها وهي تدخل وتلقي التّحيات على الجميع، والجميع في تلك الساعة الضجرة من اليوم وطقسه المتقلب؛ العاملات وأنا فقط، يبدو أنّ هوايتي في التقاط الفرق بين قبل وبعد ستقتصر عليها فقط.
أزاحت حجابها وكمامتها بنزق شديد ولم يكن صعباً ملاحظة أنها كانت تبكي قبل وصولها، ربما كانت مثلي تعاني من الحساسية، فتبدو وكأنها باكية! ولكنني أعتقد أنها كانت تبكي جداً، لأنّها حزينة. ولعلّها جاءت طمعاً ببعض الاهتمام وليس الجمال، فقد بدا واضحاً أنها قد لاتملك طغيان الحضور الشخصي ولكنها تمنحك ذلك الشعور أنّه يمكنها امتلاكه لو أرادت ولكن ثمة جمال متخفي ومُهمَل أو ربما لاتريد إهداره لأنّ أحدهم مازال بعيداً .
لعلها ارتدت ذلك الثوب الأسود دون قصد أو ربما ذهب اختيارها له أبعد مماأرادت أن تكون؛ عابرة ومحايدة.
فركت يداها كما كانت أمي تفعل ونظرت طويلاً إلى خاتمها العقيق، وعندما هزّت رأسها تأكدتُ أن حديثاً ما يدور في رأسها.
غسلت الكوافيرة شعري بعناية الأمهات ولكنّي لم أستسلم لذلك الترف استعجلتها لأنّني أريد رؤيتها” بعد” أو ربما أريد الاحتفال بالفارق الجميل بين دخولها ومغادرتها.
حيّتني وهي ترتب حجابها: نعيماً، بدا صوتها متناغماً مع تسريحتها، حتى عيناها وثوبها الأسود وخاتمها العقيق، كل ما فيها عاد إلى سياقه وكأنّ صورتها لحظة دخولها لم تكن سوى خدعة ماكرة لتغريني بالاحتفاء بذلك الفارق الذي أحبه؛ بين ما نقوله وما أردنا قوله، بين ما نكتبه وما تمنينا كتابته، وتشغلني اللحظة التي تخرج بها الأشياء عن سياقها وتتحول إلى شيء آخر!
.