
العاشرة مساء، كعادتي أرتب جسمي، أجهز شللي للنوم، أرمي بكبسولة الأعصاب في جوفي.
زوجتي هناك، على مقربة من الله، تصلي ركعتيها كل مساء، تقرأ ماتيسر من الآيات، تهديها لروح والدتها، وترفع كفيها بالدعاء.. أشعر بالراحة لأجلها ومعها، وكأنها تغفر تقصيري في كل التزام..!
مفعول الكبسولة يتنزل فجأة فأغرق في نوم بلا أحلام، لكني أقاومه، انتظر قبلتها التي تحرس مناماتي من كوابيس الحياة، وتحفظني من يول إبليس في اذني كلما اذن الفجر ولم أستجب للصلاة!
قبلتني، شعرت بالحياة تسري في تضاريسي المستقيلة من كل إحساس، ألقيت رأسي المكتظ بالقصائد والعناد، النوم أقرب لي من أنفاسي، لكن صوتا قادما من سماوات الحرب، يطرق سمعي الضعيف.. قالت زوجتي : إنها الطائرة، تراود ضحاياها عن عمرهم اليابس.
اقترب الصوت أكثر، أكثر فأكثر تذكرت صوت أمي ونصيحتها : تفرقوا ترزقوا طلبت منها الخروج إلى الصالة، وطلبت منها أن تخبر الجميع بالتباعد، حاوَلَت أن…. لكن صوتي كان أمرا قاطعا، لابد أن يعيش من يحكي للعالم قصتنا.
تفرق الجميع، مازال صوت الطائرة بحاول الاقتراب مني، لكني أراوغه بقليل من الشعر والأغنيات المتسللة من سماعة البلوتوث. بمممممم بممممممممم يبدو بعيدا، هكذا قلت في نفسي أصوات بكاء قادمة من زوايا البيت، فرحت كثير، البكاء صوت قدومنا الأول نحو هذه الحياة. نصف ساعة مرت، الصمت والبكاء يشغلان جهات رأسي المترقب.
دخلت زوجتي، ملامحها تصرخ : ماهذا الأحمر الذي يغطي مساحة رجلك؟! لاشيء لاشيء، أنت فقط ترين لون الصدمة والخوف، قلت لها اقتربت مني، صرخت بصوتها هذه المرة : انت تنزف، شظايا زجاج النافذة مغروسة في فخذك، يا الله ياالله…!
ابتسمت في وجه فزعها، ضحكت، تعالت ضحكاتي أكثر كم أحب الشلل، يهزأ بالحرب وبالإصابة، هيا، انزعي الشظايا، نظفي مكانها، اربطي الجرح بأي قطعة، وتعالي لنلتقط ماتبقى من انفاس النوم…!
في الصباح، تسلقت جدار الفيس بوك، قرأت الكثير من المنشورات حول القصف العنيف، لم يذكر أحد إصابتي، حمدت الله أن أمي لم تعلم، كتبت قصيدة غزل فاحشة اللغة، تلقيت العديد من نصائح العودة إلى الله، فالموت أقرب، لكني كعادتي، عنيد في وجه الحرب والموت.
ملاحظة: النص متخيل وليس حقيقيا.
-تابعونا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews