“سوريا الضعيفة” غايةُ المُراد .. هل عَقَمَتِ البلاد !؟.. غسان أديب المعلم ..

“سوريا الضعيفة” غايةُ المُراد .. هل عَقَمَتِ البلاد ..
ما أن انتهت القمّة الثلاثيّة التي جمعت الرئيس الروسيّ مع التركيّ بضيافة الإيراني، حتى بدأت القوات التركيّة بقصف مواقع تعتبرها أنقرة مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني في العراق، وبدأت بحشد بعض قواتها المتأهّبة بالأساس لإزالة الحواجز الاسمنتية المقامة من قبلها مقابل مدينة الدرباسية في محافظة الحسكة السوريّة، مع تصريح جديد لأحد المستشارين الرئاسيّين الأتراك بأنّهم على استعداد للتدخّل لأكثر من مسافة ثلاثين كم، وأن تكون المنطقة الآمنة من حلب حتى الموصل.
ولم تكن هذه الأحداث مفاجئة عند غالبيّة السوريّين، وكذلك الأمر تزامنها مع العدوان الصهيونيّ الجديد على محيط دمشق، فالسوريّ يعلم أعداءه بشكلٍ جيّد، ويعلم في الوقت ذاته بأنّ لا أحد يمثّل مصالحه الحقيقيّة في غيابه أو تغييبه عمداً عن إتخاذ القرار، ولا تغريه بعض التحليلات المعدودات التي نظّرت للقمّة على أنها انتصار دبلوماسيّ سوريّ، وأنها قمّة الوفاء لسوريا، وأنّ ماقبل القمّة ليس كما بعدها.
ورغم أن كلّ مفردات البيان الختامي لهذه القمّة لم تشذّ عن ماسبقها من قرارات وتوصيات وجمل سياسية تتطابق مع بيانات مؤتمرات الآستانة السبعة عشر بين ذات الدول، وبغيابٍ للتمثيل الدبلوماسيّ السوريّ.
وعلى الجهة المقابلة، والضفّة الثانية من المفاوضات، أعلن غير بيدرسون مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا عن تأجيل انعقاد جلسات جنيف التي تجمع الوفود السوريّة الثلاثة “حكومة، ومعارضيها، ومجتمع مدني” كما يُطلق عليهم الوصف، وهذا الأمر أيضاً لم يكن مفاجئاً لأغلب السوريّين، فما تمّ تسريبه من وقائع الجلسات التي استمرّت لثلاث سنوات بأنّ الوفود اقتربت من الاتفاق على أبعاد العلم السوري وألوانه وقياساته، وهي مادة دستوريّة من أصل مئة مادة على الأقل قياساً لعدد مواد الدساتير السوريّة التي تتجاوز المئة مادة في أغلبها، وهي مادة قد يرى الكثيرون بأنها ثانوية أمام العقبات التي ستقف حائلاً أمام استمرار التفاوض بين هذه الأطراف عندما تتمّ مناقشة شكل الحُكم على سبيل المثال، أو مهام الرئاسة والوزراء وبقيّة السلطات والكثير الكثير.
فإذا كانت مادّة العلم الوطني للبلاد قد استغرق النقاش بها طوال هذه المدّة، فما حال بقيّة المواد؟.
يعود هنا السؤال ذاته الذي طرحناه سابقاً: أين نحن؟.
والسؤال هنا عن الشعب، الشعب الذي لم يشعر بآلامه أحد، ولم يعاني أحد من المفاوضين كما يعاني بتفاصيل حياته اليوميّة المُزرية بتأمين كسرة الخبز بكرامة؟، من منهم يشعر بالبرد كالشعب سواء بالداخل أو الخارج؟، ومن منهم من يجوع كالشعب؟.
فإذا كان حال المفاوض الذي يحمل الجنسية السوريّة بدون إحساسٍ حقيقيٍ بما يعانيه السوريّ، فكيف سيكون الحال مع اجتماعاتٍ لتقرير مصير هذا الشعب من قبل الغرباء، ولو كان تصنيفهم حلفاء وأصدقاء وأعداء؟.
الكلّ مستفيد من “سوريا الضعيفة” .. وقد يكون هذا غايةُ المُراد، والكلّ يسعى لبقائها على هذا الحال، وربّما أسوأ لاستمراريّة مصالحه وأطماعه وهيمنته ..
فهل عَقَمَتِ البلاد فعلاً ولم تعد قادرة على إنجاب رجالٍ غيورين يسعون لموقفٍ سوريّ موحَّد ينقذ البلاد عبر حوارٍ حقيقيّ؟.
أم أنّ غالبيّة الشعب محكومٌ ومرهون بسلطةٍ لم تستطع حتى اللحظة إيجاد أي حلٍّ لأي مشكلة اقتصاديّة؟.
ألا تعرف هذه السلطة أن الجميع سيكون خاسراً، وأنها أول الخاسرين إن لم تبادر إلى لملمة الأشلاء المتبقّية من السوريّين، وبدء الحوار بشأن مشروعٍ وطنيّ جامع يوحّد السوريّين وينطلق بهم إلى النهضة بالبلاد؟.
الأعداء من كلّ الجهات، والعدوان علينا يتزايد يوماً بعد يوم، والخسائر تتكوّم فوق بعضها، والمعنويات في الحضيض، أليس فيكم رجل رشيد؟.
*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب