|| Midline-news || – الوسط …
.
بدا أن بسطاء الباعة وطالبي الرزق ليسوا وحدهم من بكّر في الخروج، فعلى الجهة الأخرى من الطريق، خرج جنديان لتوهما من البار اليوناني القائم بالشارع. سرَّع نجيب من خطاه راغبًا في مغادرة المنطقة بأكملها. من يعرف ما الذي يمكن أن يحدث؟ من كثرة ما شاع من قصص مشابهة؛ تمثل مرارًا سيناريو لشجارٍ دامٍ مع جنود الحلفاء، سيدمر مستقبله. هو قادر على ابتلاع السرقة التي تكون عادةً الدافع الأول للتحرش. سيتنازل لهم عن المال لو طلبوه، لكن الكارثة ستقع لا محالة لو أنهم أهانوه. لو حاولوا ضربه أو إذلاله سيقتلهم. ليست لديه أدنى فكرة عن كيفية فعل هذا لكنه سيقتلهم. سيوقع بهم أكبر أذى يستطيعه. وستكون هذه نهاية حياته الغالية جدًا عليه. لذلك كله تقتضي الحكمة أن يغادر المسرح المحتمل للمأساة قبل أن تقع.
أصبح الجنديان خلفه بعدة أمتار عندما لاحظ شيئًا غريبًا. مر بشابٍ يقف ثابتًا لا يتحرك في مدخل عمارةٍ مطلةٍ على البار. نظرته ثاقبة ومحددة الهدف، ألا وهو باب الحانة. للحظةٍ عابرةٍ التقت نظراتهما دون أن يجفل أو يرمش. ما الذي يفعله هنا في هذه الساعة؟ تقدم قليلًا بخطواتٍ عادية، ثم أجبرته قوة قاهرة على الالتفات والنظر، ليرى الشاب وقد خرج من مكمنه، ويده تحمل مسدسًا بعد أن كانت مختفية في جيبه. توقف عن التنفس للحظاتٍ. شعر أن العالم قد تحول بغتةً إلى شريط سينما تدور بكرته ببطءٍ رهيبٍ.
بطء يتيح له إمكانية التدخل، ويمنعه في الوقت نفسه من عمل أي شيءٍ سوى الفرجة. وقف هناك متجمدًا، يرى الشاب وهو يتحرك من مخبئه شاهرًا سلاحه. سيصوبه بلا شك نحو الجنديين، أي هدفٍ آخر قد يقصد؟ عرف أنه يستطيع الصياح لتنبيههما أو إخافة المهاجم، وأنه يمكن أن يجري خلفه لمحاولة منعه، لكن، هل يريد أن يفعل؟ ما إن قرر أنه لن يتحرك من موقعه، حتى تبدلت سرعة الشريط ليحدث كل شيءٍ بسرعة البرق؛ جرى الشاب عابرًا الطريق، مقتربًا من الهدف، لتستقر رصاصات مسدسه كلها في الجنديين، ثم يفر هاربًا باتجاه نجيب الذي توارى ليتركه يمر بجواره تلقائيًا. وقف هناك يلهث دون أن يحرك عضلةً. رغبة مؤلمة في الاطلاع جعلته يجر قدميه جرًا، خطوة واحدة في كل مرة، حتى وصل إلى موقع الحادث. وهناك أمام البار اليوناني، حيث تجمع السكارى الذين هرعوا على إثر الصوت المرعب إلى الخارج، استلقى أحد الجنديين ميتًا بلا حراك، بينما راح الآخر يئن ويبكي طالبًا المساعدة.
نظر سكان الشارع من النوافذ، وأعادوا غلقها سريعًا عندما أدركوا ما حدث. أما زبائن البار فسرعان ما تفرقوا، كلٌ إلى طريقه قبل وصول السلطات. ما إن وجد صاحب البار أنه بقي وحيدًا في هذا المشهد العبثي حتى أغلق المحل، ووضع القفل وفلَّ هاربًا.
لم يستغرق كل هذا سوى دقيقةٍ ليحدث، وليجد نجيب نفسه بمفرده في الشارع مع جثة جنديٍ إنجليزي، وآخر على وشك أن يصبح كذلك. كان شابًا في أوائل العشرينات لا يكبر نجيب كثيرًا. بدت رأسه صغيرةً جدًا في البيريه الأصفر، وقد ابتلت بدموع الألم والرعب. ظل يقول بالإنجليزية إنه يتألم وبحاجةٍ للمساعدة. أخذ نجيب ينظر حوله ملتاعًا، طالبًا من يخبره بما يجب عليه فعله. أعاد النظر للفتى الممسك بجنبه المصاب، وقد تغطت يداه والأرض تحته بالدماء. كم من الدماء يملك ليسفك كل هذا على الأرض؟ هل يساعده؟ هل يملك الآن دفع الموت عنه بعد أن أفسح له الطريق ليصل إليه؟
.
أصبح الجنديان خلفه بعدة أمتار عندما لاحظ شيئًا غريبًا. مر بشابٍ يقف ثابتًا لا يتحرك في مدخل عمارةٍ مطلةٍ على البار. نظرته ثاقبة ومحددة الهدف، ألا وهو باب الحانة. للحظةٍ عابرةٍ التقت نظراتهما دون أن يجفل أو يرمش. ما الذي يفعله هنا في هذه الساعة؟ تقدم قليلًا بخطواتٍ عادية، ثم أجبرته قوة قاهرة على الالتفات والنظر، ليرى الشاب وقد خرج من مكمنه، ويده تحمل مسدسًا بعد أن كانت مختفية في جيبه. توقف عن التنفس للحظاتٍ. شعر أن العالم قد تحول بغتةً إلى شريط سينما تدور بكرته ببطءٍ رهيبٍ.
بطء يتيح له إمكانية التدخل، ويمنعه في الوقت نفسه من عمل أي شيءٍ سوى الفرجة. وقف هناك متجمدًا، يرى الشاب وهو يتحرك من مخبئه شاهرًا سلاحه. سيصوبه بلا شك نحو الجنديين، أي هدفٍ آخر قد يقصد؟ عرف أنه يستطيع الصياح لتنبيههما أو إخافة المهاجم، وأنه يمكن أن يجري خلفه لمحاولة منعه، لكن، هل يريد أن يفعل؟ ما إن قرر أنه لن يتحرك من موقعه، حتى تبدلت سرعة الشريط ليحدث كل شيءٍ بسرعة البرق؛ جرى الشاب عابرًا الطريق، مقتربًا من الهدف، لتستقر رصاصات مسدسه كلها في الجنديين، ثم يفر هاربًا باتجاه نجيب الذي توارى ليتركه يمر بجواره تلقائيًا. وقف هناك يلهث دون أن يحرك عضلةً. رغبة مؤلمة في الاطلاع جعلته يجر قدميه جرًا، خطوة واحدة في كل مرة، حتى وصل إلى موقع الحادث. وهناك أمام البار اليوناني، حيث تجمع السكارى الذين هرعوا على إثر الصوت المرعب إلى الخارج، استلقى أحد الجنديين ميتًا بلا حراك، بينما راح الآخر يئن ويبكي طالبًا المساعدة.
نظر سكان الشارع من النوافذ، وأعادوا غلقها سريعًا عندما أدركوا ما حدث. أما زبائن البار فسرعان ما تفرقوا، كلٌ إلى طريقه قبل وصول السلطات. ما إن وجد صاحب البار أنه بقي وحيدًا في هذا المشهد العبثي حتى أغلق المحل، ووضع القفل وفلَّ هاربًا.
لم يستغرق كل هذا سوى دقيقةٍ ليحدث، وليجد نجيب نفسه بمفرده في الشارع مع جثة جنديٍ إنجليزي، وآخر على وشك أن يصبح كذلك. كان شابًا في أوائل العشرينات لا يكبر نجيب كثيرًا. بدت رأسه صغيرةً جدًا في البيريه الأصفر، وقد ابتلت بدموع الألم والرعب. ظل يقول بالإنجليزية إنه يتألم وبحاجةٍ للمساعدة. أخذ نجيب ينظر حوله ملتاعًا، طالبًا من يخبره بما يجب عليه فعله. أعاد النظر للفتى الممسك بجنبه المصاب، وقد تغطت يداه والأرض تحته بالدماء. كم من الدماء يملك ليسفك كل هذا على الأرض؟ هل يساعده؟ هل يملك الآن دفع الموت عنه بعد أن أفسح له الطريق ليصل إليه؟
.
*مقتطف من رواية “نذر” للكاتبة فيبي صبري- مصر
*اللوحة للفنان التشكيلي فداء منصور- سوريا