العناوين الرئيسيةفضاءات

“سكان الشارع”.. فيبي صبري

لوحة: فداء منصور

|| Midline-news || – الوسط
.

بدا أن بسطاء الباعة وطالبي الرزق ليسوا وحدهم من بكّر في الخروج، فعلى الجهة الأخرى من الطريق، خرج جنديان لتوهما من البار اليوناني القائم بالشارع. سرَّع نجيب من خطاه راغبًا في مغادرة المنطقة بأكملها. من يعرف ما الذي يمكن أن يحدث؟ من كثرة ما شاع من قصص مشابهة؛ تمثل مرارًا سيناريو لشجارٍ دامٍ مع جنود الحلفاء، سيدمر مستقبله. هو قادر على ابتلاع السرقة التي تكون عادةً الدافع الأول للتحرش. سيتنازل لهم عن المال لو طلبوه، لكن الكارثة ستقع لا محالة لو أنهم أهانوه. لو حاولوا ضربه أو إذلاله سيقتلهم. ليست لديه أدنى فكرة عن كيفية فعل هذا لكنه سيقتلهم. سيوقع بهم أكبر أذى يستطيعه. وستكون هذه نهاية حياته الغالية جدًا عليه. لذلك كله تقتضي الحكمة أن يغادر المسرح المحتمل للمأساة قبل أن تقع.
أصبح الجنديان خلفه بعدة أمتار عندما لاحظ شيئًا غريبًا. مر بشابٍ يقف ثابتًا لا يتحرك في مدخل عمارةٍ مطلةٍ على البار. نظرته ثاقبة ومحددة الهدف، ألا وهو باب الحانة. للحظةٍ عابرةٍ التقت نظراتهما دون أن يجفل أو يرمش. ما الذي يفعله هنا في هذه الساعة؟ تقدم قليلًا بخطواتٍ عادية، ثم أجبرته قوة قاهرة على الالتفات والنظر، ليرى الشاب وقد خرج من مكمنه، ويده تحمل مسدسًا بعد أن كانت مختفية في جيبه. توقف عن التنفس للحظاتٍ. شعر أن العالم قد تحول بغتةً إلى شريط سينما تدور بكرته ببطءٍ رهيبٍ.
بطء يتيح له إمكانية التدخل، ويمنعه في الوقت نفسه من عمل أي شيءٍ سوى الفرجة. وقف هناك متجمدًا، يرى الشاب وهو يتحرك من مخبئه شاهرًا سلاحه. سيصوبه بلا شك نحو الجنديين، أي هدفٍ آخر قد يقصد؟ عرف أنه يستطيع الصياح لتنبيههما أو إخافة المهاجم، وأنه يمكن أن يجري خلفه لمحاولة منعه، لكن، هل يريد أن يفعل؟ ما إن قرر أنه لن يتحرك من موقعه، حتى تبدلت سرعة الشريط ليحدث كل شيءٍ بسرعة البرق؛ جرى الشاب عابرًا الطريق، مقتربًا من الهدف، لتستقر رصاصات مسدسه كلها في الجنديين، ثم يفر هاربًا باتجاه نجيب الذي توارى ليتركه يمر بجواره تلقائيًا. وقف هناك يلهث دون أن يحرك عضلةً. رغبة مؤلمة في الاطلاع جعلته يجر قدميه جرًا، خطوة واحدة في كل مرة، حتى وصل إلى موقع الحادث. وهناك أمام البار اليوناني، حيث تجمع السكارى الذين هرعوا على إثر الصوت المرعب إلى الخارج، استلقى أحد الجنديين ميتًا بلا حراك، بينما راح الآخر يئن ويبكي طالبًا المساعدة.
نظر سكان الشارع من النوافذ، وأعادوا غلقها سريعًا عندما أدركوا ما حدث. أما زبائن البار فسرعان ما تفرقوا، كلٌ إلى طريقه قبل وصول السلطات. ما إن وجد صاحب البار أنه بقي وحيدًا في هذا المشهد العبثي حتى أغلق المحل، ووضع القفل وفلَّ هاربًا.
لم يستغرق كل هذا سوى دقيقةٍ ليحدث، وليجد نجيب نفسه بمفرده في الشارع مع جثة جنديٍ إنجليزي، وآخر على وشك أن يصبح كذلك. كان شابًا في أوائل العشرينات لا يكبر نجيب كثيرًا. بدت رأسه صغيرةً جدًا في البيريه الأصفر، وقد ابتلت بدموع الألم والرعب. ظل يقول بالإنجليزية إنه يتألم وبحاجةٍ للمساعدة. أخذ نجيب ينظر حوله ملتاعًا، طالبًا من يخبره بما يجب عليه فعله. أعاد النظر للفتى الممسك بجنبه المصاب، وقد تغطت يداه والأرض تحته بالدماء. كم من الدماء يملك ليسفك كل هذا على الأرض؟ هل يساعده؟ هل يملك الآن دفع الموت عنه بعد أن أفسح له الطريق ليصل إليه؟
.

*مقتطف من رواية “نذر” للكاتبة فيبي صبري- مصر
*اللوحة للفنان التشكيلي فداء منصور- سوريا

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك