فضاءات

ذكرى ميلاد عميد الادب الروسي تولستوي:آمن بالوصايا العشر لكنه رفض أي تنظيم أو منظمة دينية .

 || Midline-news || – الوسط …

شهناز بيشاني:

في التاسع من سبتمبر/أيلول ، يصادف ذكرى ميلاد الروائي الروسي “ليو تولستوي”.

ويعتبر المؤلف ليو تولستوي Leo Tolstoy من عمالقة الأدب الروسي خلال القرن التاسع عشر..

ولد بتاريخ 9 سبتمبر /أيلول/ سنة 1828، في عزبة ياسنايا بوليانا بمقاطعة تولا في روسيا. ترعرع تولستوي في كنف عائلته الأرستقراطية، فوالده كان الكونت نيكولاي تولستوي، أما والدته فكانت الأميرة فولكونسكايا، التي تنحدر من سلالة روريك، أول حاكم في تاريخ روسيا.

شهدت طفولة تولستوي الكثير من المآسي؛ فقد توفيت والدته سنة 1830، فتولت إحدى قريبات والده مهمة رعاية الأطفال. ولم تمض سوى 7 سنوات حتى توفي والده أيضًا، فعُينت عمته وصية قانونية على الأطفال. وبعدما توفيت العمة، انتقل تولستوي وأخوته للعيش مع عمته الثانية في مدينة كازان.

تلقى تولستوي تعليمه الابتدائي في المنزل على أيدي المعلمين الفرنسيين والألمان. وفي عام 1843، التحق ببرنامج اللغات الشرقية في جامعة كازان، إلا أنه فشل في إظهار تفوقه الدراسي، فاضطر للالتحاق ببرنامج القانون، ولكنه لم يمكث فيه طويلًا. وهكذا استمر الوضع على ذات المنوال حتى ترك تولستوي جامعة كازان في نهاية المطاف، دون الحصول على أي شهادة جامعية.

عاد تولستوي بعد ذلك إلى منزل والديه، وقرر أن يتولى الإشراف على زراعة الأراضي هناك، ولكنه لم يتمكن من المواظبة على فعل ذلك نظرًا لكثرة زياراته الاجتماعية إلى تولا وموسكو. وبالتالي، سرعان ما تبين أنه غير مؤهل لتولي هذا الأمر.

وفي الوقت الذي كان فيه تولستوي منهمكًا بشؤون أراضيه، عاد أخوه نيكولاي إلى المنزل في إجازة قصيرة من الجيش، وأقنعه بالانضمام إليه، فوافق تولستوي وسافر معه إلى وحدته العسكرية في جبال القوقاز. وفي سنة 1854، انتقل إلى سيفاستوبول في أوكرانيا، وشارك في حرب القرم سنة 1855.

إنجازات ليو تولستوي:

استغل تولستوي بعض فترات السلام أثناء وجوده في الجيش، فعمل على تأليف قصة تروي سيرته الذاتية، أطلق عليها اسم “الطفولة”. وفي سنة 1852، قدّم تولستوي مسودة الرواية إلى مجلة ” The Contemporary”، التي كانت تعد الأكثر شعبية وانتشارًا آنذاك، فوافقت إدارة المجلة على نشرها، لتصبح بالتالي أول مؤلفات تولستوي المنشورة. وبعد ذلك، شرع تولستوي في كتابة قصة اسمها “القوزاق”، تروي يومياته داخل وحدته العسكرية، ولكنه لم يكملها إلا بعد مغادرته الجيش.

وعلى نحو مثير للدهشة، تمكن تولستوي من مواصلة تأليف الكتب حتى أثناء خوضه غمار حرب القرم؛ فقد نجح في تأليف رواية “الصبا”، التي تعد تتمة لرواية “الطفولة”.

كذلك، عبّر عن آرائه حيال التناقضات الصارخة خلال الحرب في سلسلة كتبه التي حملت اسم “حكايات سيباستوبول”.

حالما انتهت حرب القرم، غادر تولستوي الجيش وعاد إلى روسيا، حيث اكتشف مدى ازدهار شعبيته في الساحة الأدبية في بطرسبرغ.

لكن نظرًا لما اتسم به من عناد، فقد رفض الانضمام إلى أي مدرسة فكرية، وأعلن عن اعتناقه الفلسفة الفوضوية، وغادر بعدها إلى باريس سنة 1857، ولكنه لم يمكث هناك طويلًا، فسرعان ما عاد إلى روسيا، لينجح في نشر روايته “الشباب”، التي تعد الجزء الثالث من سيرته الذاتية. وفي عام 1862، أصدر تولستوي أول عدد من مجلته Yasnaya Polyana، وتزوج في ذات العام من صوفيا أندرييفنا بيرز، ابنة أحد الأطباء.

أقام تولستوي مع زوجته وأولاده في عزبته، وأمضى الجزء الأكبر من عقد الستينيات في تأليف روايته الرائعة “الحرب والسلم”، التي نُشر جزؤها الأول في مجلة ” Russian Messenger” الأدبية سنة 1865. وبعد 3 أعوام أصدر 3 فصول أخرى، ليتبعها في العام التالي بالجزء الأخير.

حظيت الرواية بإعجاب منقطع النظير لدى الجمهور وأوساط النقاد، فقد كانت أحداثها بمثابة صورة تاريخية عن روسيا والمجتمع الروسي خلال غزو نابليون لها عام 1812م.. كذلك، تضمنت 3 فصول مهمة تطرق فيها تولستوي إلى قوانين التاريخ، وعبّر عن رفضه لها، وسخريته منها.

بعد النجاح الساحق لرواية الحرب والسلام، عكف تولستوي على تأليف روايته الشهيرة الأخرى: “آنا كارنينا”. وبالرغم من كون قصة الرواية خيالية، فإنها استمدت بعض أحداثها من حياة تولستوي الشخصية، ولاسيما علاقته مع زوجته أثناء فترة الخطوبة. نُشرت الرواية على دفعات بدءًا من عام 1873 وحتى سنة 1877، وقد ساهمت العائدات التي حصل عليها تولستوي في زيادة ثروته.

على الرغم من النجاح الكبير لرواية “آنا كارنينا”، عانى تولستوي من أزمة روحية بلغت حد الاكتئاب. كان تولستوي آنذاك منهمكًا في محاولات حثيثة للعثور على إجابات حول تساؤلاته عن معنى الحياة، فلجأ إلى الكنيسة الأرثوذكسية ولكنه لم يجد ما يبحث عنه.

وبعدما تعمق في النصوص الدينية، توصل إلى اعتقاد مفاده وجود فساد الكنيسة المسيحية، فاعتنق مبادئ جديدة بعيدًا عن معتقدات الدين. وقرر أن ينشر تلك المعتقدات في مجلة جديدة اسمها ” The Mediator”.

في المقابل، لم تغض الكنيسة الطرف عن آراء تولستوي، فأعلنت حرمانه وإبعاده عنها. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كان أيضًا خاضعًا لمراقبة الشرطة السريّة.

حياة ليو تولستوي الشخصية

تزوج ليو تولستوي عام 1862 من صوفيا أندرييفنا بيرز، ابنة أحد الأطباء. رزق ليو وصوفيا بثلاثة عشر طفلاً، توفي 5 منهم أثناء الطفولة.

واجه تولستوي مشاكل عائلية مع زوجته، لأنه كان راغبًا في التخلي عن ثروته كلها. واستمرت حالة الخلاف بينهما إلى أن وافق تولستوي على منحها حق الحصول على عائدات النشر الخاصة بمؤلفاته قبل سنة 1881.

أواخر نشاطاته

وفي أواخر حياته عاد تولستوي لكتابة القصص الخيالية فكتب (موت إيفان إيلييتش) 1886م، كما كتب بعض الأعمال المسرحية مثل (قوة الظلام) 1888م. وأشهر أعماله التي كتبها في أواخر حياته كانت (البعث) وهي قصة كتبها 1899م وتليها في الشهرة قصة (الشيطان) 1889م؛ كريوتزسوناتا 1891م؛ (الحاج مراد) التي نُشرت بعد وفاته والتي توضح عمق معرفته بعلم النفس، ومهارته في الكتابة الأدبية. ومدى حبه ومعرفته بالقفقاس وقد اتصفت كل أعماله بالجدية والعمق وبالطرافة والجمال. وأشهر أعماله التي كتبها في أواخر حياته كانت “البعث” وهي قصة كتبها وتليها في الشهرة قصة “الشيطان”ورواية ” الميت الحي” ومسرحية ” سلطان الظلام” وروايات “كريتسيروفا سوناتا”، و”الحاج مراد” و” وفاة ايفان ايليتش” وقصة ” الاب سيرغي” والتي توضح عمق معرفته بعلم النفس، ومهارته في الكتابة الأدبية. وقد اتصفت كل أعماله بالجدية والعمق وبالطرافة والجمال.

واظب تولستوي على كتابة المؤلفات الأدبية على مدار عقدي الثمانينات والتسعينيات من القرن التاسع عشر؛ فألف رواية “وفاة إيفان إليتش” في عام 1886، وبعدها كتب رواية “الأب سيرغي” سنة 1898، ورواية “البعث” 1899 التي كانت آخر رواياته الطويلة، ورواية “الحج مراد” سنة 1904. وبالرغم من الثناء الذي نالته رواية البعث، فإنها لم تحظ بالنجاح الكبير لروايات تولستوي السابقة.

حاز الأدب العربي على إعجاب تولستوي ، فعرف الحكايات العربية منذ طفولته. عرف حكاية “علاء الدين والمصباح السحري”. وقرأ “ألف ليلة وليلة”، وعرف حكاية “علي بابا والأربعون حرامي”، وحكاية “قمر الزمان بين الملك شهرمان”، ولقد ذكر هاتين الحكايتين ضمن قائمة الحكايات، التي تركت في نفسه أثراً كبيراً، قبل أن يصبح عمره أربعة عشرعاماً.

قدّم تولستوي نفسه خلال السنوات الثلاثين الأخيرة من حياته بوصفه زعيمًا أخلاقيًا ودينيًا، فأثّرت أفكاره حول المقاومة السلمية للشر على شخصيات كثيرة من بينها المهاتما غاندي. سعى تولستوي إلى التوفيق بين معتقداته الروحية، وما خلقته من مشاكل في أسرته؛ فقد كانت زوجته من أشد المعارضين لتلك الأفكار، فساد الاضطراب علاقتهم. ولم يجد تولستوي حلًا سوى السفر بعيدًا عن استياء زوجته.

فلسفة الموت عند تولستوي

يسأل تولستوى ويفكر في مسألة الموت : لماذا نموت ؟
ولماذا نخاف الموت؟
وله قصة باسم ” ثلاث موتات ” يقارن فيها بين موت سيدة ثرية وموت فلاح بسيط وموت شجرة، يخلص منها أنه كلما زاد وعينا انفصلنا عن الطبيعة والمجموعة البشرية ونحن نتألم لهذا الوعى وهذا الانفصال عند الموت.

آمن تولستوي بالوصايا العشر لكنه رفض أي تنظيم أو منظمة دينية وبالتأكيد رفض الكنيسة. طُرِد من الكنيسة عام ١٩٠١. كان تولستوي يدعو الجميع إلى العيش حياة الفلاحين من دون عنف.

وقال انه يجب أن نحيا حياتنا بأقصى وأعمق ما نستطيع وأن نجعل الدنيا نعيما لأبناء البشر ونتحمل وحدنا المسئولية بدلا من القاءها على قوات غيبية.

وفاة تولستوي:

قبل وفاته بتسعة أيّام، كان الكاتب المشهور قد ترك منزله في ياسنايا بوليانا سرّا عند الفجر بصحبة سكرتيره الخاصّ. كان واضحا أن تولستوي اتخذ قراره النهائي بأن ينفصل عن حياته العائلية ويرتاح من شجار زوجته الدائم مع سكرتيره.

وفي الليلة التي غادر فيها منزله كتب يقول: لقد فعلت ما يفعله الناس في مثل سنّي. قرّرت أن اترك الحياة الدنيوية وأقضي أيّامي الأخيرة في هدوء وعزلة”.

وفي طريقه إلى محطّة القطار، عرّج على دير شيماردينو لرؤية شقيقته، وقضى ليلة في فندق بجانب أحد الأديرة. ثم غادر مرّة أخرى في الرابعة فجرا باتجاه الجنوب.

هروب تولستوي من ياسنايا بوليانا أصاب معاصريه بالذهول. البعض رأى في تصرّفه “تحرّرا بطوليّا” من قيود الحياة وإزالة للحواجز الأخيرة بينه وبين الله. كما وصفت الصحافة الروسية قراره بأنه “انتصار روحي”، بينما وصف بعض الكتّاب ما حدث بالمأساة العائلية.

توفّي ليو تولستوي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني / 1910 عن  عمر يناهز الثانية والثمانين بعد أن عانى من التهاب رئوي حادّ. وقد تابع العالم آنذاك أخبار مرضه ونقلتها الصحف في روسيا وخارجها يوما بيوم. ولم يكن تولستوي على علم بتلك الضجّة التي كانت تثور من حوله.

موت تولستوي، مثل حياته، كان حدثا تاريخيا، خاصّة في روسيا. فقد تقاطر الكتّاب والفنّانون والأتباع والفلاحون على ضيعته واكتظّت القطارات من موسكو إلى كراسنايا بالناس الذين قدموا لحضور جنازته. وحمل نعشه حشد من الفلاحين، وأنشدت اللحن الجنائزي جوقة من مائة مغنّ، ومشى في أثر النعش موكب من حوالي عشرة آلاف شخص.

ولم يكن هناك رجال دين في الجنازة، إذ كانت الكنيسة قد أصدرت قرارا بطرد تولستوي منها قبل ذلك بسنوات، بعد أن صرّح علناً بأن علاقته مع الله لا تحتاج لوسطاء.

وكانت الكنيسة قد أخذت على تولستوي أيضا بعض كتاباته التي رأت أنها أسهمت في تسريع صعود البلاشفة إلى الحكم في روسيا عام 1917م.

بعد الثورة، وصف لينين تولستوي بأنه “مرآة الثورة الروسيّة”، متجاهلا أفكاره السلمية وإيمانه بالله.

عارض تولستوي العنف الذي تمارسه الدولة. وقد وصف الدولة بأنها سيطرة الأشرار المدعومين بالقوّة المتوحّشة. وكان يرى أن اللصوص اقلّ خطرا من الحكومة المنظّمة. كما دعا إلى فكرة المقاومة السلمية وشجب كافّة أشكال الحروب.

وكان تولستوي أيضا يعتبر تحالف الكنيسة مع الدولة ضربا من التجديف والكفر. كما كان يعتقد بأن الارستقراطية تشكّل عبئا كبيرا على الفقراء. وعارض الملكية الخاصّة وانتقد مؤسّسة الزواج.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى