العناوين الرئيسيةالوسط الفني

د.ميسّر كامل: لا توجد لوحة عذراء محايدة! فالفنان لا يفرغ رؤيته فوق لوحته بحيادية

نساء لوحاتي مثال لضحايا الحرب.. وهن بضعة مني يقلن ما أريد قوله

|| Midline-news || – الوسط …
حوار: روعة يونس
.

من يعتقد أن حوار “الوسط” مع فنان تشكيلي؛ ليتريث قليلاً.. ومن يعتقد أنه حوار مع طبيب جراح، فليتريث كثيراً.
نحن أمام عالَم من الفن والإنسانية والثقافة والخير والجمال. عالم من المعرفة.. المعرفة التي تُقدم  وتعطي من قلبها وضميرها ومخزونها.
وكأن كل ذلك لا يكفي فناننا التشكيلي الطبيب الجرّاح ميسّر كامل، فاتصف بالتواضع، إلى جانب رحابة صدره واتساع أفقه. وكيف لا، وهو في الفن والطب يعمل لأجل الإنسان.
في هذا الحوار معه، سيقرأ القارئ العديد من الآراء، من بينها ذاك التقاطع بين الجراحة والتشكيل، مضافاً إليه عبقرية العلاج، مقابل إبداع اللوحة، وكيف يصوغ فناننا عالماً موازياً للحقيقة الموضوعية. مع تقديمه رؤى فنية لا تكتفي بنقل ورصد الواقع. بل تتعمد أن تتشابه وتتقاطع مع شخصيات لوحاته، فيما يشبّه التوحد.
الحوار -بفضله- ممتع ومشرّف، لأن د.ميسّر كامل قامة إنسانية وفنية وثقافية، رائقة واثقة دافقة…

.


“نشأة مشجعة”

في سن مبكرة أحببت الرسم، بحيث كنت -على خلاف أقرانك- تشتري من مصروفك علب الألوان لترسم. هل للأمر علاقة بمؤثرات ما، كالمكان (كونك كنت في الجزائر) أم إنه الشغف بالرسم؟

  • كانت سنوات طفولتي الأولى في دولة الجزائر، وكانت مدرستي تتبع لدير للراهبات الفرنسيات في مدينة وهران، وقد استشعرت الراهبة المشرفة على صفي موهبتي في الرسم فاهتمت بي كثيراً، وشجعتني. حتى أن إدارة المدرسة احتفظت بمعظم رسوماتي. لقد كنت أرسم أكثر مما أتكلم، فالرسم هو لغتي التي أخاطب بها العالم من حولي. كنت أدخر كل مصروفي الضئيل كي أشتري الأقلام والألوان ودفاتر الرسم.

مع هذا، أستغرب أنك لم تدرس الفن أكاديمياً! هل شكّل “الطب البشري” إغراء ما؟

  • لم أفكر يوماً في الرسم كمهنة، كنت أراه أكبر من ذلك، و استطعت أن أختار مهنتي دون أن تكون على حساب شغفي بالرسم، فلم أبتعد عنه. الطب كان مهنة بالنسبة لي، و أردت ذلك لأنه يعكس الجانب الآخر من شخصيتي، الفن و الطب يعملان لأجل الإنسان، وكان ذلك.


“حصد الجوائز”

لا أدري إن كان ثمة تقاطع بين الجراحة والتشكيل، فكل منهما أداته ثنائية: المشرط ، يقابلها الريشة والسكين. ثم الجسد ويقابله القماش الخام. مضافاً إليه عبقرية العلاج، مقابل إبداع اللوحة؟

  • إذا كان يقال بأن الطب هو أقدم فن، فإن الجراحة هي فن الطب ومسرح الإبداع فيه. بالتالي فإن الفنان عندما يؤنسن لوحته فكأنه الجراح الذي تكون ساحة العمل الجراحي لوحته التي يضع فيها كل مشاعره وحبه ورغبته في نجاح العملية.

ماذا عن مشاركاتك الفنية ومعارضك خلال دراستك الجامعية! فقد عرفنا في “الوسط” أنك حصلت على جوائز في سن مبكرة، ومازلت حتى اليوم تحصدها؟

  •  أثناء دراستي الجامعية شاركت في نشاطات فنية عدة، وكان أهمها مهرجان الشبيبة السنوي في دورته في اللاذقية وقد حصلت على الترتيب الأول في مجال الرسم ونلت جائزة تقديرية من رئاسة الاتحاد. كما أقمت معرضاً فردياً في مركز ثقافي القنيطرة. بعد ذلك كل تكريم أو جائزة هي دافع ليس للنجاح فقط، بل للتمسك بخطي الفني في ترجمة قضايا الإنسان.


“ملامح واقعية”

تطرح في أعمالك الفنية قضايا وحالات إنسانية تتصل بالحب والكره والحزن والألم والحقد والنصر والأرض والقهر والظلم، إنما أليس غريباً أن تطرح جميع تلك المواضيع والقضايا من خلال “المرأة” دون الرجل؟

  •  إنني أتوسل من خلال نساء لوحاتي أن أطلق رسائلي الشخصية، لاسيما وأن المرحلة التي قدمت فيها أعمالي للجمهور كانت في سنوات الحرب، وما نساء لوحاتي إلاّ مثال لضحايا الحرب! وأن أرسم يعني أن أصوغ عالماً موازياً للحقيقة الموضوعية، ولكن ليس تلك الحقيقة، أن أكون قادراً على إظهار عالم تخيلي يتجاوزني دون أن ينفصل عني. أنا هنا و لست في مكان آخر، هنا حيث الحرب وتبعاتها. ولوحتي تقدم ما هو تراكمي وليس مجرداً .. لا توجد لوحة عذراء محايدة! الفنان لا يقف أمام لوحته ويفرغ رؤيته بحيادية لا تماس فيها مع ذاته، إنها حالة إبعاد الذاتي دون انفصال.

الحزن، الألم، الوحدة، الصمت.. ملامح (فنك) لا شخصيات لوحاتك فقط. لم كل هذا الحزن والألم؟ ثم: هل مهمة الفنان نقل ومحاكاة الواقع، أم بث الآمال وبعث التفاؤل في نفوس المتلقين؟

  • ليس للوحة أرسمها وظيفة تحريضية أو توجيهية، لن تدعو لوحتي للأمل إذا كان مفقوداً، أو تدعو للفرح إذا كان مسروقاً. إنها حالة تشبهني فتشبه من أرسمهن. اللوحة ذاكرة وكل ما حولها واقع، وهكذا الواقع بحقيقته العارية، واللوحة تكشف هذا العري ولا يعول عليها دون ذلك. إن الذوق الجمالي الذي له الأثر الاجتماعي قد سقط لظهور الفن الموجه إلى الجماهير بشكل مباشر هكذا مثل الفلم التسجيلي و التصوير الضوئي، و أما أنا فإنني أختار استقلالية العمل الفني وتحرره من الثقافة الموجهة المسطحة.

“تخوم الذاكرة”

7-من خلال متابعتي لفنك، أجد أنك تتعمد البساطة في الخطوط والألوان، وتُصر على التقشف في التفاصيل. هل هو نفور من الكتل والصخب اللوني وانقلاب على المعايير والمدارس والتوجهات الفنية، كنوع من الابتكار مثلاً أو البصمة الخاصة؟

  • اللوحة لن تكون بضاعة برغم أن العمل الفني والتجربة الجمالية في عصر الحداثة وما بعدها قد أصبحا في وضع متأزم تحت سيطرة تقنيات غير مرئية، يحددها ويسيرها المجتمع الاستهلاكي، و هكذا لن يكون للفن وظيفة تحرير الحاجات الجمالية. إن الفنون الترفيهية والتقنيات قد جعلت الفن الأصيل عتيقاً ودون هالة!  وعلى الفنان أن يحارب التشيؤ و الاستلاب. و الفن الذي يتخلى عن التخيل يتخلى أيضاً عن الجمالي. الفن يفهم الواقع ثم يتجاوزه. لن تبقى اللوحة وسيلة تعبيرية بشخوصها لكنها تصبح تمثل الوجود الفعلي لتلك الشخوص التي هي بمثابة المعالم الذاتية، ومدى تفاعلها وتلاحمها مع الواقع عبر بوابة التعبير الداخلي، إنها تتعدى كونها (خطوط وتعابير) وتتعدى ما تحدده مدرسة تشكيلية ما، إن وسيلتها هذه هي كسر قيد أي منهجية محددة، كي تبقى هي أنا.
    إنها تحكي ماهية القلق والانفعال المرافق لها، وبالتالي تشكل تفاعلية عفوية صادقة مع الحالة العامة للواقع من حزن و ألم، بهذا أكون قد وظفت اللون والخطوط البسيطة الهادئة ما يثير تفاعلاً و انفعالات تجعل المتلقي يتماهى مع اللوحة وشخوصها بتأويلات متعددة.

في معرضك “تخوم الذاكرة” نجد نساء أو بطلات لوحات ميسر كامل: متشابهات، كأنك تُسقط عليهن ما تريد أنت قوله! لا ما يردن هن قوله! بما يعني أنك ربما تُسقط حالتك الشعورية وتعكس ردّات فعلك ورأيك ورؤاك عليهن؟

  •  الكتلة البشرية النسوية تصبح في لوحتي المرأة الفرد التي تحمل الكثير من الوجع و الحزن كما يمكن أن تحمل من الحب و الأمل، المرأة التي أعرفها جيداً فتزداد رقة شعوري نحوها و قل ميلي للحكم على قيمتها كإنسان و لا أعتبرها شيئاً يمكن الحكم عليه أو التلاعب به أو رفضه. نساء لوحاتي هن بضعة مني، يقلن ما أريد قوله، وأقول ما يردن قوله.


“ممارسة واعية”
نجدك مواظب على حضور المعارض والفعاليات، ألعلها الرغبة في الاطلاع على نتاج الزملاء؟ أم الوقوف على تطوّر الحركة الفنية وتبادل الآراء والأفكار؛ بما يثري تجربتك؟

  •  بالتأكيد إن حضور المعارض والفعاليات الفنية هي ممارسة واعية وواجبة على كل فنان تشكيلي. و أنا أتابع تجارب الزملاء و أتعلم منهم و أستمع إلى نصائحهم و آرائهم، و لا أنسى فضل الكثير منهم في إغناء تجربتي وتهذيبها وتوجيهها إلى ما يناسب إمكانياتي.

كذلك أنت تتواصل مع الفن العالمي من خلال مواقع فنية إلكترونية. ولديك مشاركات متعددة في هذا المجال.. ضعنا في أجواء نشاطك ومعارضك الإلكترونية؟

  •  إن التواصل مع الفن العالمي عبر مواقع فنية “إلكترونية” هو للاطلاع على التجارب الفنية العالمية والاحتكاك بها، و لتجاوز العزلة التي فرضتها الحرب و الحصار، كما أن المعارض “الإلكترونية” فرضت حضورها المهم في ظل تفشي “فيروس كورونا” محلياً و عالمياً. و حالياً أنا اشارك في (المعرض السوري التشكيلي الإلكتروني الأول- في أوكرانيا).


“أفكار وطموحات”
ما الذي تجهز له الآن؟ هل ثمة معرض قادم لا يستغرقك به واقع الحرب المؤلم، والأحزان والآلام؟

  • أفكر بتقديم معرض فردي لكن دون استعجال، الآن لا شيء منجز، و ربما لا شيء بعد في المدى المنظور. لكنني أفكر وأطمح.. أما الحرب فهي واقع لا يمكن إغفاله أو الهروب منه بالفن، بينما اللوحة هي ذاكرة ذلك الواقع.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى