رأي

د. فائز حوالة – تقاسم غنائم الدولار النفطي الخليجي

|| Midline-news || – الوسط  ..

لم تكن دول الخليج العربي يوماً ما مستقلة في قراراتها السيادية والسياسية منذ تأسيسها حتى بعد استقلالها والى يومنا هذا , وانما كانت وربما ستبقى مصدراً مادياً وبشرياً اساسيا لتمويل مشاريع مؤسسيها الاجانب وسلعة للمقايضة في سوق النخاسة السياسي العالمي والفضل في ذلك يعود الى نجاح دول الاستعمار القديم في ايصال عوائل من تلك الدول الى سدة الحكم لتكون الخادم الوفي لها فجعلت من تلك الدول تتخذ انظمة سياسية تحاكي الانظمة القبلية والعشائرية تحت مسمايات مختلفة فمنها الامارة ومنها المملكة ومنها السلطنة ويتربع على عرش الحكم في كل منها اما ملكا او اميرا ويتناقل فيها الحكم ضمن العائلة الواحدة من الجد الى الابن فالحفيد بعيدين في ذلك عن مفهوم الديموقراطية شكلاً ومضموناً التي تتغنى بها تلك الدول التي انشأتها ورعتها ومازالت .

وهنا تجدر الاشارة الى ان الدول التي اسست وانشأت هذه الممالك والامارات والسلطنات لم تنس يوم تأسيسها لهم ان توصل الى سدة الحكم الاسر والعائلات التي تحمل في نفوسها عداءً قديماً لبعضها البعض وخلافات جوهرية في نهجها ونظرتها لتبعية الاراضي التي تم الحاقها بهذه المملكة او السلطنة او الامارة كما هو الحال عليه بين دولة الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وبين قطر والامارات العربية المتحدة وبين قطر و المملكة العربية السعودية وغيرها من المشاكل وبين مختلف الامارات والممالك والسلطنات على امتداد رقعة الخليج العربي ولكنهم جميعهم التزموا الصمت والقبول بالامر الواقع طمعاً منهم جميعا في الحفاظ على مايملكونه من خيرات تلك الاراضي التي يمتلكونها , حتى استطاع المستعمر الخفي عندما شعر بان هذه الممالك والامارات وبعد ظهور المال النفطي بين ايدي هؤلاء العوائل الحاكمة وامكانية زعزعت الاستقرار في منطقة حساسة للعالم اجمع بسبب النفط والغاز المغذي للعالم اجمع , ادخلوهم في دوامة مايسمى بمجلس التعاون الخليجي ” مجلس الاخوة الاعداء ” لتتم السيطرة على قراراتهم بشكل اسهل على غرار الاتحاد الاوربي ومنح ابناء هذه الامارات والممالك حرية التنقل والعمل وغيرها من المكتسبات التي خففت نوعاً ما الحقد على اسرهم المالكة كما انهم حاولوا وايضاً على غرار الاتحاد الاوربي توحيد العملات بين مختلف هذه الدول الا انهم ولسبب ما فشلوا او لم ينجحوا الى يومنا هذا في ذلك .

وبفضل المال النفطي الوفير والخلفية الدينية التي تتمتع بها تلك الدول استطاعت الدول المؤسسة ان تدفع بهم للتغلغل في مختلف دول العالم تحت مسمايات وشعارات مختلفة واهمها الشعارات الاسلامية ليكونوا الادوات الخفية في الغزو الاستعماري الجديد من قبل مؤسسيهم ليس فقط للدول العربية او الاسلامية وانما في شتى اصقاع العالم وكانت ذروة هذا التغلغل ظاهرة للعيان في افغانستان ودول البلقان ودول الاتحاد السوفياتي القديم وباختصار يمكن اعتبار تغلغل هذه الدول احدى الادوات الهامة التي تم استخدامها في تفكيك الاتحاد السوفياتي وانهاء الحرب الباردة لصالح مؤسسيهم وطبعا وفي كل المراحل كان الغلاف الاساسي للدولار النفطي ذا طابع ديني بحت من بناء المساجد ومدارس تحفيظ القراّن ونشر الاسلام اضافة الى استثمارات في بعض المشاريع الاقتصادية التي كان الغرض منها ارضاء من لايعتنق الدين الاسلامي في تلك الدول التي تم غزوها عبر الدولار النفطي الخليجي

هذا الامر بالنسبة للدول المؤسسة كان اكثر من ناجح فهم وفروا على انفسهم استخدام جنودهم في غزو اي من تلك الدول وانما تم استخدام القوى المحلية التي استطاع دولار الخليج النفطي السيطرة عليهم وعلى عقولهم وجعلهم جنوداً اوفياء للدولار النفطي الخليجي فنجحوا في جميع المناطق تقريبا واستفادوا في تلك الفترة من ضعف روسيا الاتحادية وحيادية الصين الشعبية وعدم رغبتها في زج نفسها في صراع لاتستطيع الوقوف امامه وحتى امام امكانياته فلم ترغب بالتالي الصين حينها ان تغامر بحياة اكثر من مليار انسان يعيشون على تصدير منتجاتهم الى الاسواق الغربية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية

ولكن تسارع النجاحات التي حققتها الدول المؤسسة لسياسة الدولار النفطي الخليجي جعلتهم يدخلون في صراعين متوازيين الاول صراع مع الزمن تمثل في الانتباه الى عودة روسيا الاتحادية بعد استلام الرئيس فلاديمير بوتين زمام الحكم في روسيا الاتحادية وان روسيا ستعود دولة قوية كما كان الاتحاد السوفياتي والثاني صراع بين الدول المؤسسة نفسها على تقاسم الغنائم التي حصلوا عليها كنتيجة لغزو الدولار النفطي الخليجي لمختلف الدول في العالم , فسارعت بريطانيا للخروج من الاتحاد الاوربي لتشكل لنفسها امبراطوريتها القديمة التي ماكانت الشمس تغيب عنها بينما تسارعت امريكا الى تشكيل حلف عسكري جديد تحت مسمى الناتو الاسلامي وبقيادتها يضم بشكل اساسي دول الدولار النفطي نفسه وهذا هو ربما السبب الرئيس في ظهور الخلافات الخليجية الخليجية في ايامنا هذه فبريطانيا التي سمحت لامريكا بمقاسمتها قاعدة العديد العسكرية في قطر شعرت بانها ارتكبت خطأً فادحاً في ذلك الوقت فقطر وبالرغم من صغر حجمها الا ان دولارها الغازي ” دولار الغاز ” اهم من الدولار النفطي الخليجي لذلك كان عليها ان تعطي اوامرها لامير قطر لزعزعة الامور بين الدول الخليجية واخراج الخلافات القديمة الى الظاهر في محاولة لاعادة تقسيم الحصص والغنائم والتموضعات والاحلاف التي ستبدأ من دول الخليج العربي وتنتهي في اوربا ودول الناتو التقليدي

في الوقت الذي سمحت الولايات المتحدة لباقي دول الخليج العربي وبعض الدول العربية الاخرى بفتح نيرانها السياسية ” حتى الان ” على المتمرد القطري البريطاني سعياً منها لايجاد تقاسم جديد وفرض واقع جديد قبل فوات الاوان على الجميع وخاصة بعد ان شعر الجميع بان الدور الايراني اّخذ بالتبلور بشكل نهائي ليكون السيد في منطقة الخليج العربي وصاحب الكلمة الفصل في تحديد مصير وسياسة هذه المنطقة الهامة للغاية في العالم .

فهل ستنجح الدول المؤسسة في تقاسم الغنائم التي حققها الدولار النفطي الخليجي ام انها ستكون مضطرة لتقاسم هذه الغنائم مع اطراف اخرى اثبتت جدارة سياساتها في مواجهة المخططات الامريكية البريطانية والحقت بها الخسائر الفادحة , فيبدو ان الولايات المتحدة الامريكية استبقت الجميع في عملية التقاسم وبدأتها من المملكة العربية السعودية فاستحوذت على مايزيد عن ال 400 مليار دولار اضافة الى التمهيد لبيع النفط القطري الى اوربا عبر دول اوربا الشرقية بدءً من دول البلطيق مرورا ببولندا وبلغاريا ورومانيا فالجبل الاسود فتمركزت في تلك الدول دروعها الصاروخية واصبحت الحصن الحصين لقواتها والبديل الافضل لفرض سياساتها على دول اوربا الغربية وخاصة بعد نقل رؤوسها النووية من قاعدة انجرليك التركية الى رومانيا وفي نفس الوقت تصبح جارة لروسيا الاتحادية فتعرقل بذلك تحركاتها وتضعف دورها وتشكل تهديدا مباشرا لها , وهنا لابد من الاشارة الى ان هذه التحركات الامريكية في بعض دول اوربا الشرقية تصبح عديمة الفائدة وباهظة التكلفة اذا لم يتم نقل الغاز القطري السائل الى دول البلطيق او ايصاله بشروط متفق عليها مسبقاً  وهذا باعتقادي مايفسر الدور الذي ستلعبه ايران في المشكلة الخليجية الحالية بالتنسيق مع الحليف الروسي .

الآراء المذكورة في المقالات لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي أصحابها حصراً
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى