
|| Midline-news || – الوسط …
.
استغربت كثيراً في بداية عملي في الخليج، وجود المصاعد في الڤيلات، حتى لو كانت طابقين فقط لابد من وجود مصعد ، اعتبرته ترفاً بغيضاً لشباب من المفروض أن يصعدوا الدرج درجتين درجتين وربما ثلاثة، كما كنّا نفعل في الشام .
درج بنايتنا في الشام كأنه جزء من بيوتنا جميعاً، ترّاس بيوتنا وحديقتها الخلفية، أو ربما شباك كبير مفتوح على كل مايدهشنا من ألوان وأصوات ؛ أشجار السرو التي تحجب شباك ابن الجيران، أصوات بيّاعي الخضرة وصوت حصان بيّاع المازوت، والبلكونات بكل ماتحويه من تفاصيل تشعل الخيال .
أن تكبر في بناية قديمة في الشام، يعني أن تخبّىء نصف أسرارك في شقوق الدرج، تتعلّم كيف تخفي سيجارة، وكيف تصعد بخفة إلى السطح على أطراف قلبك لتقطف قبلة !
أن تكبر في الشّام يعني أن تصعد الدّرج الذي يأخذك من جسر فيكتوريا إلى سينما الكندي ومكتبة ميسلون، درج عريض يختصر الطّلعة الصعبة ومليء بالبياعين والشّحاذين كمان، أتذكّر عندما رأيت شقيق صديقتي، الشاب الذي لم يكمل دراسته ،دائماً كان هناك مايبيعه، رأيته واقفاً خلف “بسطة ” لا ادري ما عليها! المهم أنَّني بكل تفاهة البرجوازية الصغيرة حاولت أن لا يرى أنني رأيته ! بينما هو ببساطة رفع يده لي وربّما تخيّلت أنّه بدا سعيداً ( أصبح فيما بعد بائعاًفي محلات معروفة) واشترى بيتاً في وقت قياسي، بينما كنا نقبض رواتباً بعد تخرجنا لاتسمح بمجرد حلم امتلاك بيت شديد التواضع .
لايوجد درج في هذه البلاد، ربما أنا الوحيدة التي تصعد الدرج الرخام في مدخل المارينا وتترك السلم الكهربائي، أماالعمارات هنا فأدراجها غير صالحة للاستخدام إطلاقاً بسبب ثقافة العمران والسكان ، حيث لايوجد شبابيك أو تهوية، وغالباً هناك مشاكل بخصوص النظافة .
عندما أقرأ تعبيراً ك “رائحة الحنين ” أتخيل أن الشاعر صعد إلى بيتنا، مرّ أمام قطة أم أسامة، ووصل إلى الحبق الذي وضعته أُمِّي على طول الدرج الصاعد إلى بيتنا، وعندما أقرأ نص “وداد نبي “، أسأل نفسي : هل كانت تسكن في عمارتنا ، في الشّام !
“الحياةُ لن تكون بهذا السوء
ستمنحكَ بيتاً جديداً
لكن روحكَ
ستبقى ذئباً يعوي كل ليلة
على أدراجِ منزلكَ القديم” .
.