دفاعاً عن غونتر فالراف .. (ترجمة حيّان الغربي)

دفاعاً عن غونتر فالراف .. ترجمة حيّان الغربي
بمقاييس خطاب العدالة العرقية السائد في يومنا هذا، يبدو كتاب غونتر فالراف الأكثر مبيعاً في العام 1985، “في القاع” عملاً شائناً، ولكن لا ريب أنه يبقى جديراً بالقراءة نظراً لتحليله الثاقب لمسألة استغلال العمال في المجتمعات الديمقراطية الثرية.
.
يعدّ كتاب غونتر فالراف “في القاع”، الذي حقق أفضل المبيعات في العام 1985، عملاً كلاسيكياً في ميدان الصحافة الاستقصائية أكسب مؤلفه شهرةً واسعةً على الصعيدين المحلي الألماني والعالمي، لاسيما وأن الكتاب قد ترجم إلى ثلاثين لغةً. علاوةً على ذلك، من خلال إماطته اللثام عن ظروف العمل التي كان يعيشها العمال الأتراك “الضيوف”، نجح هذا الكتاب في أن يدفع قدماً عجلة التحسينات التي أدخلت على ظروف العمل تلك. بيد أن فالراف، حين حاول القيام بالأمر عينه من خلال الفيلم الصادر في العام 2009: “أسود وأبيض- رحلةٌ في الرحاب الألمانية”، جوبه بانتقادات لاذعة ولاسيما من قبل وسائل الإعلام اليسارية- اللبرالية التي احتفت به فيما سبق.
.
“لكن ثمة أمراً تغيّر خلال فترة الربع قرن الفاصلة بين “في القاع” و”أسود وأبيض”؟، أمرٌ أخفق فالراف في أن يأخذه في الحسبان، وهو أمركة الخطاب الألماني بشأن العرق والعنصرية” على حدّ تعبير مايكل ليبكين. وقد أفضى الشكّ في مقدرة الرجل الأبيض على فهم تجربة العنصرية فضلاً عن إرث “محاكاة السود” إلى خروج تقنيات فالراف في مظهر المعبرة عن البنى العنصرية أكثر مما تقلدت لبوس فضح تلك البنى.
.
“لقد أطلق جميع النقّاد ذات الحكم المتناقض، والواضح من حيث منشئه الأمريكي، بشأن العنصرية: فعلى الرغم من التقدّم السطحي إذ تبقى العنصرية قائمةً، لكن وبتعبير أدق، نتيجةً لهذا التقدم، ليس لدى العنصرية حلٌّ سياسيٌّ أو قانونيٌّ واضحٌ، ولذا سيتم إنزال الهزيمة بها في المعترك الثقافي”.
.
لكن، في نهاية المطاف، هل ثمة أمر ما كامنٌ في المقاربة الأصلية لدى فالراف؟ لقد وجّه “اليسار القديم” الانتقادات إلى أساليب فالراف نظراً “لذاتانيتها”. ولكن بطبيعة الحال، شكّلت تلك الذاتانية عامل قوتها على حدّ تعبير ليبكين، الذي يعقّب بالتالي:
وفقاً للتحليل الذي يقدمه الكتاب، تؤدي العنصرية قبل كل شيء إلى خلق فئة من العمال المطالبين بتأدية الأعمال الأكثر لزوما للمجتمع، ولكنها الأعمال الأحط كرامةً للسبب عينه. وبدوره، يقود امتهان الكرامة على هذا النحو إلى القضاء على الإحساس بالذات، فضلاً عن الإحساس بوجود قضية مشتركة تنبغي مقاومتها من خلال الانتظام ورصّ الصفوف. وبالتالي، في حين يتواصل النظر إلى هاجس العدالة العرقية بوصفه ختم دمغة يميز “اليسار الجديد” دون غيره، بما يفهم على نطاق واسع بوصفه تحولاً من السياسة العمالية إلى سياسة “الهوية”، فإن المعارف التي يقدمها كتاب “في القاع” في شأن العنصرية تتناغم كلياً مع السياسة القديمة، أي أنه حتى بعد أن تمت “أنسنة العمل” في عهد كل من المستشار براندت والمستشار شميت، فإن واحداً من أغنى المجتمعات في التاريخ البشري ما زال يعتمد على طرق استغلال لم يطرأ عليها أي تبديل منذ تاريخ قيام الأهرامات على أكتاف العبيد.
.
(عن ميركور الثقافية الألمانية- نقلاً عن شبكة المجلات الثقافية الأوروبية- يوروزين 23/2/2022)
.
.
*شاعر ومترجم- سوريا
-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews