دعاء فاضل بطيخ: أسعى إلى التغيير والتجدّد باستمرار.. لأنهما يصيغان أسلوب الكاتب والفنان الشغوف
والديَّ شكّلا الداعم والحافز والإيحاء الدائم الذي يرافقني

|| Midline-news || – الوسط …
إعداد وحوار: روعة يونس
.
تُشكّل بعض الحوارات متعة مضافة، حين يكون الضيف متعدد المواهب، لا يكتفي بالتعدد، بل يصقل مواهبه بالإبداع.
في الواقع يبدو ذلك صعباً بعض الشيء. فليس سهلاً أن يسلك الإنسان في درب المواهب ويتحلى في جميعها بذات مقدار النجاح والكفاءة وتقدير الناس له.
دعاء فاضل بطيخ.. الكاتبة والفنانة الضوئية والتشكيلية، أمضت عقداً من عمرها تكافح مع الفنون. واختيار مفردة “تكافح” ليست عبثاً. فقد أفرجت عن مواهبها الإبداعية خلال 10 سنوات من الحرب على سورية، وفي ظل نكبات متلاحقة حلّت على مسقط رأسها حلب وبلدها سورية ككل.
دعاء الجميلة لم تستسلم.. وظلت ثلاثية الموهبة، التي تحيا في زمن الموت لأجل الكتابة والتصوير والتشكيل، وتتبنى الإنسان والمكان في كتاباتها الأدبية وأعمالها الفنية.
إلى جانب ذلك كله فإن روايتها ومشاركاتها في المعارض، كشفت عن إنسانية عارمة تملأ ذاتها، وأخلاقيات نبيلة تحلّت بها إلى جانب الإبداع.
“دعم الأسرة”
أمام تعدد مواهبك، لست أدري أيها كانت الأولى: الكتابة، أم التشكيل، أم التصوير؟ أخبرينا من أين كانت البداية، وأي دور كان لأسرتك في دعمك؟
التشكيل كان البداية والدعم كان من والدي ووالدتي عندما لاحظوا حبي للألوان والرسم. سجلاني من كنت في الخامس الابتدائي بمركز فتحي محمد بحلب وبدأ المشوار. ومن ثم الكتابة والتصوير.
لكن الكتابة بدأت بانسجام روحي مع كل ما يدو حولي، كأنني خلقت لأكتب. فصرت أعبر عنها وأخط المشاعر والأفكار بالحروف. الفضل دائماً لله عز وجل ومن ثم لوالدي ووالدتي هما الداعم والحافز والإيحاء الدائم لي، فضلاً عن تربيتهما لي وفق أسس وأخلاقيات أشبه بالفن المفعم بالجمال والعطاء والأخلاق. ثم يأتي دور موهبتي وحبي للحرف والكتابة إذ سبق الكتابة ميلي للقراءة.
أما التصوير بدأ لدي منذ سنوات، وهي موهبة اتصلت بالحرب على بلدي وما خلّفته! لكنني حاولت أن أعكس الدمار إلى جانب الثبات، والظلام إلى جانب النهار.. فالتصوير شكّل لدي التقاء الروح مع كل ما يحيط بها.. عندها أشعر بأن المشهد يجذبني لالتقاطه من تلقاء نفسه.
“رحلة مع الكتابة”
الحديث عن الكتابة يقودنا إلى روايتك هل نتوقع أن نجد في تفاصيلها ذاكرة مكان، بخاصة مع عشقك لحلب مسقط رأسك ودمشق؟
نعم تدور أحداث الرواية ما بين حلب النبض ودمشق القلب. ولا شك تحمل اهتماماً بذاكرة المكان والإنسان وتفاصيل كثيرة تركت من خلال سردها بصمتي الشخصية وشغفي بالكتابة.
أجد أن تكون لغة روايتك (شعرية بعض الشيء) إذ من الواضح أننا أمام شاعرة تكتب القص الروائي؟
أسلوب روايتي الخطف خلفاً.. القص الروائي كما تفضلت. وبها ملامح ما تشابه الشعر، أي ما يُتفق على تسميته الآن السرد النثري. فلغة الرواية الشعرية- النثرية بتقديري أصعب.
“مسقط الرأس”
من جهتي لا أثق بمقولة “صاحب بالين…” فأنتِ على الصعيد الشخصي صادقة وموهوبة ومملوءة حماسة وإقدام. إنما أي لقب تريدين جدياً أن يسبق اسمك: الروائية أم التشكيلية أم الفوتوغرافية؟
لستُ أدرك الفصل بينهم جميعاً.. العلاقة متشابكة فيما بينهم. فأنا كفنانة تشكيلية أرسم في خيالي تفاصيل وملامح شخصيات وأبطال راويتي التي أكتب. ومن جانب أخر يجذبني مشهد عالق في ذاكرتي فأخط عنه بالحروف ليصل تماماً كما هو لمن لا يرى عندما يسمع ما خططت. ولكن كوني فنانة تشكيلية هو المجال الذي فتح لي آفاق الكتابة و التصوير. وبالتالي أنا أدين لمدينة حلب مسقط رأسي في اطلاعي على الكتب والفنون، وتنمية كافة مواهبي وهوايتي. وكلامي هذا عرفان بالجميل لمكان غال في قلبي وليس تعصباً أبداً.
المتابع لتجربتك في مجال “التصوير الضوئي” يتوقع أن تكوني قد خضتِ دورات أكاديمية في تعلّم فنون التصوير؟
على الرغم من دراساتي أنا لم أتبع أية دورات أكاديمية. بل اتبعت حدسي بالشعور ونبض قلبي عندما يتغير برؤية مشهد ما! فعندما تشعرين بكل النمنمات حولك سترين باستمرار كل شي بانتباه شديد كما لو أن “عين” داخل القلب ترصد ما حولك!
“عين ثالثة”
هل توطدت علاقتك مع الكاميرا من خلال التعلّم الذاتي، والاعتماد كلياً على العين الثالثة التي تلتقط المكان في الزمان المناسب؟
العين هي الكاميرا الأولى الخاصة بنا التي صنعها الله وأبدع بها. عندما تشعرين بروحك بالجمال والفرح والالم والحزن، وتدركين المعنى الحقيقي لكل ما يحيط بك. ستراه عينك كما هو. وللعلم أنا التقط الصور غالباً بعدسة هاتفي المحمول، لأن الاحتراف برأيي الشخصي يبدأ بالرؤية الصحيحة.
رغم اهتمامك البالغ في المشاعر والقضايا الإنسانية.. لماذا تقتصر أعمالك الفوتوغرافية على المكان والطبيعة؟
المكان هو ليس بالمعنى المؤقت فكل مكان أكون به يحمل لي من الذكريات ما يفرح أو يؤلم فيما بعد! ارتباط الإنسان في كل مكان يرتاده يبقى عالقاً داخله ويعج بالتفاصيل. طبعاً تختلف تلك القدرة من شخص إلى آخر. فأنا تربطني علاقة قوية بتفاصيل كل الأماكن التي أتواجد بها على مر الزمن، فأغدو حافظة للتفاصيل الخاصة بها. أما الطبيعة بالمعنى المطلق فهي المكان الأول والأخير الذي يشعرنا بالراحة وتحرر الروح والذات.
“معارض تشكيل”
ألم يحن موعد إقامة معرض شخصي لصورك التي التقطتها خلال سنوات، مثلما أقمتِ معارض فن تشكيلي؟ بخاصة أنها تحظى باهتمام وإعجاب المتابع لك في وسائل التواصل الاجتماعي؟
لربما كان الأمر مجرد هواية لأن التقط وأرصد المشاهد لكل ما هو مميز ونادر وتغمرني سعادة به.
لكن يسعدني جداً أن تثمر هذه الهواية وأن تتطور إلى معرض تصوير خاص بي قريباً، خاصة بعد التشجيع الذي صادفته صوري من أصدقاء ومن فنانين ضوئيين.
في مجال التشكيل، يُلاحظ اهتمامك إلى جانب تقديم فن جميل، أنكِ مطلعة على المعارض وزائرة مهتمة بها، حدثينا عن حبك علاقتك بالفن التشكيلي؟
الفن بوابة الروح والمنقذ والمترجم البصري لكل الانفعالات والمشاعر والأفكار والخيال لرؤية بصرية. الفن رسالة محبة ورقي وسلام. ومن الرائع أن يستطيع الإنسان ترجمة ما في عقله وخياله إلى رؤية بصرية يستطيع من خلالها البوح بكل ما يريده. فأحياناً عندما تعجز الحروف عن وصف شعور كبير يمكن للون أن يفعل ذلك.
“شغف الانتظار”
شاركتِ في معرض فن تشكيلي بمدينة حلب –مسقط رأسك- حدثينا عن هذه التجربة. وبالتالي ضعينا أمام طموحك في هذا المجال (التشكيل)؟
شاركت بعدة معارض مشتركة.. معرض مشترك ضمني ضمّ الفنانة بثينة عرابي والفنان مصطفى جرجنازي بعنوان “تحرر روح” عام 2018 في صالة الخانجي بحلب. ومشاركة في معرض “تحية الى روح الشهيد الفنان أحمد الحسين” في صالة الأسد في حلب عام 2018. ومشاركة في معرض مشترك في صالة تشرين في حلب عام 2007-2008. وثمة تحضير لمعرض مشترك لي ولأصدقائي بثينة ومصطفى في دمشق، يليه معرض آخر فردي أنا أجهّز لوحاته وأنتظره بشغف، ربما أقيمه بعد الخلاص من أزمة كورونا.
عادة نترك في ختام الحوار، مساحة للضيف ليعبّر بها عن آماله وآلامه.. شجونه وشؤونه.. طموحاته وإحباطاته! تلك مساحتك فماذا تقولين؟
تلك المساحة سأرفقها مع لوحتي “نافذة الأمل” لأنني أتمنى من كل قلبي أن يختفي الألم من قلب كل متألم ومصاب ويعم الأمل والأمان وطني والبلاد كافة. ومعه سلام بملأ قلوب كل البشر والعالم أجمع.
أما عن نفسي أنا في عمل دائم ومستمر بمزيد من المحبة والابتكار والشغف والعطاء الحقيقي. وحيث أسعى إلى التغيير والتجدّد المستمر لأنه أمر مهم في أسلوب الكاتب والفنان، وهو عامل ضروري من أجل التميّز، بعيداً عن التقيّد بأسلوب معين للحرف أو اللون أو الرؤية، لئلا يحد من الإبداع الكامن في داخلي ويغلق الآفاق.