العناوين الرئيسيةحرف و لون

حين جنيت على نفسي .. حيّان الغربي ..

لوحة : الفينيق حسين صقور

حيّان الغربي ..

دون توقّف، أمشي

مذ ورّطني الحبّ في هذا المسير

لا قدرة لعينيَّ على رؤية الضّوء

أرى العتمة وأعرفها جيّداً

وأرى نفسي لماماً

لكنّي لا أتعرّف على يديَّ

وسط الدّخان

 

امرأةٌ كسر العتاة

حُقّ كبدها

تزفّ ابنها العريس على نعشه

والسّيد لا يجرؤ أن ينهرها

أو يقول لها: كُفّي يا امرأة

هذا عويلٌ مبتذلٌ

موتُ ابنك ما انفكّ يذكّرني

أن خلاصي مطروقٌ

ومطروقٌ ومطروق

 

ينداح النّعش وينضمّ عرسانٌ كثر

تتشح الحناجر بالنّحيب

ماذا ستفعل الأمّهات بعد؟

 

على الطّاولة في المقهى

سردياتٌ متكسّرةٌ

ثمة أشخاصٌ يلتهمون

ما بقي لديّ من الوقت

والفلفل الأسود

والظّلال المبعثرة

كنت أنتظرني

لحسم جدالاتٍ عالقةٍ

في حلق اللغة

 

من ثلمٍ في الأرض

أُخرِج قلبي

وبيدي المجبولة

من الطّين الدّموي

أُخرِج بقيّتي

الواحد تلو الآخر

أبدو جميعاً متشابه الملامح

حتى كأنّي نفسي

لكن ليست لي الآراء ذاتها

الحجارة في سور القلعة المجاورة

ليست متساوقةً

هي أيضاً

شاخت القلعة

وهي تنتظر سكّانها المفقودين

وأنا أيضاً، أعيّرني

بأنّني لمّا أعد إليّ بعد

على الرّغم من كل الوعود

التي قطعتُها لي

آخر مرّةٍ رأيتُني

كنت مقيّداً بعشبٍ هرمٍ

في جبال الأروكانوس

لا أجسر على التحسّر

على تلك الأيام

 

لا هواء في المقهى

ولا في رئتيَّ

سمعت أن طفلةً

تفصّل منهما

ملابس رثّةً

وتبيعها للفقراء

بسعرٍ بخسٍ

بقلم رصاصٍ

ترسم سيقانهم النّحيلة

وترتدي هي الإعصار

 

الشّوارع في مدينتي قديمة

لا أمشي فيها وحيداً

فأنا أمشي بجانبي حافياً

وأمشي أنا الآخر

ونمشي جميعاً بجانبي

حفاة القلب والأقدام

 

لا أحد يريد أن يزورني في منفاي

حيث أتجمّد

ثم أنكسر من الحرّ

 

وشوشاتٌ وضحكاتٌ مكتومةٌ

تتسرّب عبر النّوافذ

من تراه يسخر مني

السّاعة أيضاً؟

 

أرى نفسي كفيفاً

مثلك يا أبا العلاء

رويدك يا معلم

رويدك، اصفح عنّي

ففي صدري

الكثير من الفقاعات الملتهبة

لا، بل إن أناي فقاعةٌ هائلةٌ

عصيّةٌ على الانفجار

وإن كثرت الطّعنات

ولكنّي، مثلك،

خلافاً لما يعتقد أقراننا

رأيت البهاء كلّه

كلّه

واحتكرته لنفسي

مثلك، نعم،

أنا مثلك

فهلّا سامحتني؟

 

ربما عليّ أن أسلك الطريق البحرية

قالت لي الطفلة:

لكنك لا تجيد السباحة

قلت لنفسي:

إنني أسبح جيداً

لكن البحر لن يستطيع أن يحملني معاً

لا بد لي أن أغرقني

 

مرةً ثانيةً يتبين لي

أنني فائض عن حاجتي

كأرضٍ يباب

على راحتي، تنام على راحتها امرأةٌ

بعينين مفتوحتين

وسحابةٍ على وجنتها اليسرى

 

يحلّلون تركيبة دمي

على تلفزيون الواقع

هل سمعت به يا معلم؟

 

نعم، صحيح،

لذا يصدر هذا الطّنين

على رسلك يا معلم،

سأعيد الواقع إلى رأسي

المعلّق على رأس رمحٍ

(جسدي)

هناك،

سأقيّده بوشائج

أورثنيها الظّلام

وسأعود أنا إلى نفسي

سأهزّ رأسي أعلى وأسفل

وأتمايل يمنةً ويسرةٌ

وأنا أرقص

دونما لحن واضح

سأرقص في العتمة

كما يقول مثل شعبي

شعبك يا معلّم

سأرقص

دونما شموع

فلن يرى الجمهور خطواتي

سأضمن حينها أنّي،

برقصي المظلم،

لن أجني على أحد،

سوى نفسي،

مثلما أنت

لم تجنِ

على أحد

سواي
.

 

*شاعر ومترجم – سوريا
*لوحة الفنان التشكيلي.. الفينيق حسين صقور – سوريا

-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى