رأي

حظ عطيني!؟ .. د. نهلة عيسى

توقفت الناس في بلادي منذ سنوات عن سماع الأخبار, وما عاد يعنيهم من صاحب القرار, بل ما عاد يعنيهم حتى القرار, لأنهم يشعرون أن أي قرار ليس بهم معنياً, وأن أصحاب القرار في بلادنا من جنس آخر, منيع على المعاتبة, واللوم, بل وحتى التساؤل, فكيف بالعزل أو التغيير, ولذلك يحصن ناسنا حياتهم سيئة الحال بالتجاهل, لأن عيشهم صعب بما يكفي, حتى بدون التفكير هل من يتخذ القرار لائق باتخاذ قرار!؟.

وهناك مثلٌ شعبي طريف وبليغ, يلخص واقع الحال, يقول: “ما أصعبها على الخواصر, نومة الدست مع الفشة والعضام”!؟ وحقاً ما أصعبها من عيشة, أن يستوي الغث مع الثمين, والصالح مع الطالح, والجاهل مع العالم, فكيف إذا كان الحال, كما في بلادنا, حيث الغث مرفوع عنه الحجاب والسؤال والعقاب, ويرتقي إلى مصاف المبشرين الدائمين بالجنة (الدنيوية) والرضا, والعز والجاه, والمناصب, والرعاية, والعظام سيدة الدست!

ومواقع أعمالنا خير دليل, حيث التصلب في شرايين تغيير المقصرين القاصرين, هو الواقع الطبيعي, والمعتاد المستساغ, وغير المأمول شفائه, مهما عاثوا خراباً, ومهما ارتكبوا من أخطاء, ومهما أثبتت الوقائع سوء إدارتهم لأعمالهم, وعدم قدرتهم على قيادة كراسيهم في العمل, بينما التغيير أو التعديل, أو المحاسبة (لا سمح الله !) هو الطارئ, والمفاجئ, والمستغرب, وغير المتوقع, وأحياناً المستهجن, إذا حدث!.

وفي حال حدث (لا سمح الله) وتم تغيير احدهم, فالتغيير لا يعني العزل, ولا الإقالة, أو العقاب, أو الحساب, بل يعني ببساطة شديدة نقله من رأس هرم إلى رأس هرم آخر, بغض النظر عن الصلاحية, أو التخصص, أو العلم, أو المعرفة, أو حتى التجربة السابقة في مجال العمل, لان المهم هو رضا صاحب المقام والحظوة والحظ, وليس إجادته العمل أو التواصل الإنساني, فذلك مجرد تفصيل, لا يناقشه أحد في ظل هيمنة عدم شرعية الأساسيات, وطغيان الإحساس المر, بأن صاحب الحظ سلطان!

وكلنا – لابد – في حياته العامة والخاصة, العديد من هؤلاء, الذين جالوا كل المناصب, واعتلوا عروش من يستحقون, وهم لا يستحقون, وجلسوا على كراسٍ كثيرة ولمددٍ طويلة, بداية من المؤسسات العليا, ونهاية بمؤسسات الخضار, ولم أسمع يوماً أن أحدهم أعتذر لعدم الاختصاص أو الخبرة أو عدم القدرة, أو حتى المرض!؟.

والمشكلة, أن تسلط هؤلاء على معظم المفاصل الرئيسية لمواقع الأعمال والإنتاج والقرار, لا يخلق – فقط – حالة إحباط ويأس ومرارة, لدى المبدعين الموهوبين وأصحاب الاختصاص, بل يخلق حالة وهم لدى هؤلاء المحظوظين, بأنهم عباقرة زمانهم وفلاسفة عصرهم, وأن لا بديل عنهم, ولا شبيه لهم, ولا ندٌ في كل الأشياء!.

وهو وهم يتغذى ويتعاظم مع كل موقع ينتقلون إليه, وينقلون معهم إليه, بلاطهم, وحاشيتهم, وأمراضهم وعللهم الإدارية والنفسية, وسلاسل فشلهم, المتوجة نجاحاً بختم المناصب العديدة, التي تقلدوها تباعاً, واحداً تلو الآخر, وفشلاً عقب فشل, وكأنهم وصية المرحوم!.

والحقيقة, أن الوهم كما هو لصيق بهؤلاء, فهو حقٌ لهم, لأنهم عوملوا ويعاملون (وأحياناً حتى بعد التقاعد) على أنهم ندرة, ومعظمهم نوادر, وأنهم جهابذة وعباقرة, والعديد منهم جاهل, وأنهم كفاءات وكوادر, والكثير منهم خارج التغطية, رغم أن الوطن يعج بالمبدعين الراقدين تحت ركام التهميش والإهمال والتطنيش, والتطفيش أحياناً كثيرة!.

لذلك, الخلل الحقيقي ليس في هؤلاء المنعمين المبشرين, بل في غياب آليات للرقابة والثواب والعقاب, تضع كل فرد منا في موقعه وحجمه الطبيعيين, بالاستناد الى علمه وكفاءته, وقدراته, وليس بالاتكاء على الحظ والواسطة والمحسوبية, ودعاء الوالدين, وإلا فستبقى أجيال وأجيال من الموهوبين في حالة حسرة, أن أبو زيد ليس خالها, وستبقى الخواصر رهينة نومة الدست مع الفشة, بل المقادم, ولا عزاء في بلادي لغير المحظوظين!..

 

إقرأ أيضاً .. إرث للبكوات!؟ ..

إقرأ أيضاً .. طاق .. طاق .. طاقية!؟

 

 

*أستاذة جامعية – سوريا
المقال يعبر عن رأي الكاتب 

 

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك