رأي

“حصاد العمر” للشاعر الشيخ صلاح ملاعب : توثيق مرحلة وعودة الى زمن الزجل الجميل

عامر ملاعب – بيروت .. 

خاص – || Midline-news || – الوسط  ..

إنه حصاد العمر، وكيف يمكن أن نجمع حصاد سنوات طويلة بين دفتي كتاب؟ وكيف يمكن للمرء أن يختصر تجارب طويلة؟. بهذه العبارة المكثفة يفتتح الشاعر الشيخ صلاح ملاعب كتابه “حصاد العمر”.

يعيد ملاعب في كتابه هذا الى الشعر العامي أو الشعبي اللبناني، أو كما يسمونه بشعر “الزجل”، لمعانه القديم. كيف لا وهو كان اللون الأوسع إنتشاراً ومتابعةً من قبل جمهور واسع في لبنان وبلاد الشام.

يعيد الكاتب في “حصاد العمر” تأريخ حقبة واسعة من تاريخ لبنان عبر قصائد المناسبات التي قدمها في قالب من الجد والمثابرة على قراءة الأحداث من وجهة نظر من يناصر القضايا الوطنية من “الحركة الوطنية اللبنانية” وقائدها كمال جنبلاط الى الحرب الأهلية اللبنانية ومناصرةً للقضية الأم فلسطين. وهو يقدم كل ذاك الطبق وفق المبدئية الجذرية بقالب الشعر الشعبي العامي الخالي من التعقيد والصعوبات والتقعر في اللغة والمصطلحات.

تمر في معرض الصفحات محطات من الشعر النقدي والفكاهي وتصوير بعض الأحداث بمشهد كاريكاتوري مستوحى من روح الفلاح القروي المبدئي الذي يرفض التسويات على القيم والاخلاق والعلاقات الانسانية الراقية التي ترفض الكثير من الأنماط المدينية المستوردة على بيئة جبلية تربى بها وعشق روحها حتى الثمالة.

ولا ينسى الشاعر مطلقاً من وسم الكتاب بعدد من المحطات التاريخية ورثاء أصدقاء وكبار رحلوا من معارفه وأصدقاءه، معرجاً بلمسة الشاعر على “الغزل” بخجل ابن القرية الذي يلمح دون تصريح ويقارب دون توضيح. ليختم كتابه برائعة شبه رواية شعرية من قصة حب وثورة واضطهاد واقطاع وخيانة مع قصيدة “ليلى والفلاح صالح”، والمكونة من 467 بيت شعر، وهو الذي كتبها في العام 1961.
ويقول ملاعب في الكتاب “منذ مطلع شبابي وحين بدأت بنظم الأبيات الشعرية من على مقاعد المدرسة الابتدائية لم يخيّل لي أن تخرج بعض هذه النماذج في مجلد، رغم أنه قد كان حلماً راودني، وبصعوبة العودة الى تلك السنوات بأوراقها الصفراء التي أتعبتها سنوات الإنتظار في رفوفٍ وخزائن، والأهم منها تلك الكامنة لعقود في زوايا الذاكرة، وبدعم وتشجيع من المحبين، خرج هذا الكتاب وتمني أن تكون هذه الأبيات في مصنفٍ خاص تترك أثراً ولو بعد حين”.

إذن هي قصة الشعر والشعراء بكل زمانٍ وحين، وخاصةً اولئك الكتاب بالشعر العامي او الزجل في زمن الأغنية الهابطة والكلام الهجين المركب على عقد النقص والايحاءات الجنسية والخداع البصري عبر التعمية على الكلام بالصور المثيرة، وهذه من العقد الكبيرة لدى هؤلاء أن تكون المنابر موصدة أمام انتاجاتهم ويصعب عليهم الانتشار والتوسع والتواصل مع عامة الناس. فكيف يمكن لهذا اللون الشعري ان يصمد في ظل هجمة القوالب المزخرفة وضعف أساليب المواجهة لها، ولو توفرت اليوم صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المنابر، الا انها تبقى مقصرة.

وهنا أيضاً يجب البحث في كيفية رعاية وتعزيز هذه الألوان من التراث، والتي تفتقد للرعاية الأكاديمية والرسمية في كيفية تدريس أنواعه وأساليبه وتغذية روحه في شرايين الأجيال الصاعدة وتوفير فرص تواصل الشعراء مع العامة. إذ أنه وحتى الآن لا تتوفر دراسات أكاديمية للزجل المشرقي او حلقات تدريس، وهو يتمتع بكل مواصفات الوزن والصور الشعرية والتركيبة اللغوية التي تؤهله أن يكون في مصاف الشعر والشعراء تاريخياً.

فهناك في القرى والمدن والدساكر عدد كبير من المواهب التي لا تلتقط فرصتها الذهبية في الظهور والتواصل مع الناس، ويبقى هؤلاء رهن الظروف المادية الضاغطة، وهي حرفة آخذة بالاندثار والتقهقر. هذا بالاضافة الى الحرب الكلامية والاعلامية التي تشن عليه ما يضعه في مأزق عام وشامل.

من هنا يسجل للشيخ ملاعب وأترابه المغامرة في طباعة ونشر مثل هذا اللون ومحاولتهم مزاحمة السائد او العام الذي فرض نفسه بشكل او بآخر على الساحة الثقافية، وكان الاسهال في نشر وتوزيع عدد من الكتب الشعرية التي تفتقد للحد الأدنى من المواصفات ولكنها تعمل تحت عنوان “الشعر الحر دون قافية ويحق لكاتبه أن يتصرف كما يحلو له”.

ولذا يبقى مثل الشاعر صلاح ملاعب وغيره على أهبة المغامرة في مخالفة السائد من منطلق احياء تراث جميل غمر سهرات الأجداد ومسامراتهم بكل جميل ولطيف، فلماذا نستبدله بكلام صف على عجل ولا يخدم الا ذكورية وسطحية واثارة فارغة من أي مضمون.

حصاد العمر

• حصاد العمر
– المؤلف : الشيخ صلاح الدين ملاعب
– شعر زجلي
– 320 صفحة من الحجم الكبير
– طبعة اولى 2016

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى