حرب متوقعة بين لندن وبروكسل بسبب قوانين الاتحاد الأوروبي

حذرت شخصيات بارزة في الاتحاد الأوروبي من اندلاع حرب تجارية واسعة النطاق بين المملكة المتحدة وبروكسل بسبب خطة ريشي سوناك لإلغاء آلاف قوانين الاتحاد بحلول نهاية العام الحالي.
في هذا الصدد يقوم قادة الاتحاد الأوروبي في المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي ومجلس الوزراء بإعداد ما يسمونه “إجراءات إعادة التوازن أحادية الجانب” في اجتماعات سرية في بروكسل ستشمل خيار فرض الرسوم الجمركية على البضائع البريطانية التي تدخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
وذكرت صحيفة “الأوبزرفر” أنها اطلعت على رسائل واردة من كبار السياسيين في الاتحاد الأوروبي تفيد بأن هناك قلق عميق من أن المملكة المتحدة على وشك خفض المعايير في مجالات مثل حماية البيئة وحقوق العمال بما فيها انتهاك أحكام تكافؤ الفرص التي كانت في صميم فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واتفاقية التجارة والتعاون (TCA).
ووفقاً للصحيفة يهدد النزاع الناجم عن تصميم حكومة سوناك على إلغاء آلاف قوانين الاتحاد الأوروبي من أجل إثبات أنه “ينجز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي” بتوتر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة فقط عندما بدا أنه تم إحراز تقدم في شأن المشكلة الشائكة المتمثلة في “بروتوكول إيرلندا”.
احتمال نشوب حرب تجارية
ويأتي احتمال نشوب حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي وسط أدلة متزايدة على أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يلحق أضراراً جسيمة باقتصاد المملكة المتحدة.
في هذا السياق توقع صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي أن تنمو بريطانيا بمعدل أبطأ من أي من الدول الصناعية الكبرى الأخرى في مجموعة السبع بما في ذلك روسيا التي استنزفت اقتصادياً بسبب حربها مع أوكرانيا”.
من جانبه أشار بول جونسون مدير معهد الدراسات المالية إلى أن نقص العمالة وغيرها من التحديات المستمرة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانت من بين العوامل التي تسببت في الأداء البطيء للمملكة المتحدة فيما أظهر أحدث استطلاع للرأي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن 58% من الناخبين في المملكة المتحدة يؤيدون الآن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (وهو أعلى مستوى منذ استفتاء 2016 ) مع رغبة 42% فقط في البقاء خارج الكتلة.
وضمن بنود اتفاقية التجارة والتعاون (TCA) وافقت المملكة المتحدة على الحفاظ على معايير عالية في العمل والحماية الاجتماعية والبيئة والمناخ وغيرها من المجالات من أجل ضمان ظروف عادلة للتجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، في مقابل موافقة الاتحاد الأوروبي على الوصول المعفى من الرسوم الجمركية للصناعات والبضائع البريطانية إلى السوق الموحدة الأوروبية.
سوناك والترويج لإعادة السيطرة
وذكرت الصحيفة أن محاولة سوناك الآن لإظهار أن المملكة المتحدة “تستعيد السيطرة” من خلال إلغاء كثير من قوانين الاتحاد الأوروبي المحتفظ بها في غضون الأشهر الـ10 المقبلة قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية أخرى مرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كما تم إصدار التحذيرات من التحركات الانتقامية من قبل الاتحاد الأوروبي من قبل اثنين من كبار الشخصيات المشاركة في الاستجابة الأوروبية المخطط لها وهما وزيرة أوروبا السابقة ناتالي لويسو التي تشارك في رئاسة المنتدى البرلماني المشترك بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة الذي أنشئ في إطار اتفاقية (TCA) وعضو البرلمان الأوروبي ديفيد مكاليستر الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي.
استعداد أوروبي لمعاقبة بريطانيا
وفي حديثه إلى “الأوبزرفر” أصدر كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي السابق، ميشال بارنييه تحذيراً إلى سوناك في شأن هذه الخطوة وقال: “هناك حساسية في الأشهر القليلة المقبلة بشأن مخاطر الإغراق ضد الاتحاد الأوروبي وهو ما نسميه تكافؤ الفرص”.
وفي رسالة إلى النائبة العمالية ستيلا كريسي رئيسة الحركة العمالية لأوروبا قال لويسو: إن الاتحاد الأوروبي “قلق حقاً” في شأن تأثيرات مشروع قانون الاتحاد الأوروبي المحتفظ به الذي سيخضع لقراءته الثانية في مجلس لوردسون يوم غد الإثنين.
وقالت كريسي: “تتابع المفوضية الأوروبية الموقف عن كثب وتتأكد من الاستعداد لأية ضوابط إضافية قد تكون ضرورية لحماية السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي بدءاً من الأول من1 يناير (كانون الثاني) 2024 محذرة من مزيد من الضرر للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في فترة حاسمة.
وقالت: في الوقت الذي نشهد فيه روحاً بناءة وتعاونية أكثر بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة فإن تمرير هذا القانون بشكله الحالي قد يخاطر بإحراز تقدم في مجالات أخرى من العلاقة.
ورداً أيضاً على استفسارات من كريسي حول موقف الاتحاد الأوروبي من مشروع القانون أوضح مكاليستر أنه تم إعداد خيارات لأقوى انتقام قالت: تحتوي اتفاقياتنا على آليات لضمان عدم الانحدار من المستويات العالية الحالية للحماية في العمل والمعايير الاجتماعية والبيئة والمناخ وكذلك القواعد الخاصة بالإعانات، وإمكانية تطبيق تدابير إعادة التوازن من جانب واحد.
مخاوف بروكسل حقيقية وعميقة
من جانبه قال مدير مركز الأبحاث التابع لمركز الإصلاح الأوروبي تشارلز جرانت: إن المخاوف في بروكسل حقيقية وعميقة. “يشعر الاتحاد الأوروبي بقلق بالغ إزاء تأثير قانون الاتحاد الأوروبي المحتفظ به في تكافؤ الفرص فهو يخشى إذا تخلت المملكة المتحدة عن المعايير الاجتماعية والبيئية العالية فستتمتع شركاتها بميزة غير عادلة على شركات الاتحاد الأوروبي.
وتسمح اتفاقية التجارة والتعاون للاتحاد الأوروبي باتخاذ تدابير مضادة ضد المملكة المتحدة لخرق تكافؤ الفرص على سبيل المثال من طريق إزالة الوصول إلى السوق الأوروبية من دون تعريفة جمركية.
وأضاف جرانت: المفوضية لا تقول كثيراً عن هذا في الوقت الحالي إذ يركز الجميع على تسوية بروتوكول إيرلندا الشمالية ولكن إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن البروتوكول فستبدأ الحجج في شأن مشروع قانون الاتحاد الأوربي الإصلاح والإلغاء (REUL) في وقت يتحدث بالفعل بعض أعضاء البرلمان الأوروبي عن حرب تجارية على وشك الإندلاع.
وقالت كريسي: عندما غادرنا الاتحاد الأوروبي زعمت الحكومة أنه يمكن أن تكون لدينا معايير أعلى من الواضح الآن بشكل متزايد أنهم يخططون لتمزيق حقوق الآلاف من العمال والقوانين البيئية وحماية المستهلك وبذلك يبدأون حرباً تجارية مع أوروبا في الوقت نفسه.
من جانبها حذرت نقابة العمال البريطانية (TUC) أخيراً من أن مشروع قانون الاتحاد الأوروبي المحتفظ به قد يعني إزالة الحقوق الأساسية أو تخفيفها دون تدقيق برلماني مناسب مما أثار نزاعاً تجارياً ضاراً مع بروكسل وقالت النقابة: إن حقوق العمال المعرضة للخطر تشمل أجر الإجازة والأجر المتساوي للمرأة وإجازة الأمومة والمساواة في المعاملة للعاملين بدوام جزئي.
في حين قال متحدث باسم الحكومة: سيمكننا مشروع قانون الاتحاد الأوروبي المحتفظ به من تعديل أو إزالة قانون الاتحاد الأوروبي المرهق المحتفظ به والتأكد من أنه يمكننا إنشاء أفضل بيئة تنظيمية في المملكة المتحدة لدفع النمو الاقتصادي وتعزيز الابتكار وتطوير ميزة تنافسية في التكنولوجيا المستقبلية.