إضاءاتالعناوين الرئيسية

“حاتم علي.. تاريخ الدراما ودراما التاريخ” بقلم أحمد علي هلال

|| Midline-news || – الوسط …
.

مسيرة وسيرة لا يمكن للكلمات أن تختزلها وحسبها أن تشي بها، ليس للغياب الذي أصبح وبوصفه الثابت الوحيد ومتواليته التي تتسارع على نحو أو آخر، لتصبح الكلمات الآن في مقام الحضور الآخر الأكثر توهجاً وتعالقاً بالذاكرة الأبقى، هكذا نقارب حياة مخرج ومثقف وفنان ظل اسمه حاتم علي، بما أثراه في المشهد الدرامي والثقافي عبر علاماته الساطعة، ومنها على الأقل «التغريبة الفلسطينية»، إلى الحد الذي جعل الناس يتساءلون عن هويته، لكن هويته هي انتماءه للقضية الفلسطينية هماً ورؤيةً وإبداعاً، والأدل قراءته للتاريخ ليبعثه درامياً، ليس –على سبيل الإحياء- وإنما على سبيل استقراء هذه الذاكرة التاريخية بشخوصها وعلاماتها.
.

.
لكن الوجه الآخر لحاتم علي المثقف العضوي هو صورته كاتباً قصصياً ومسرحياً مبدعاً، لعله يذكرنا على الأقل بظاهرة فريدة في دلالتها عند من   تنكبوا  هذا الدرب الشاق، الكتابة الإبداعية وعلى سبيل المثال لا الحصر الفنانون القديرون «أيمن زيدان ، وبسام كوسا» في سعيهما لاختبار الكتابة الإبداعية قبل أن ينكتبوا هم بها بنصوص درامية باذخة، وما نقصده هنا «ليلة رمادية، وأوجاع، وتفاصيل، ووجوه» للقدير أيمن زيدان، و«نص لص» للقدير بسام كوسا، وشأن حاتم علي أن يكون في هذا المهاد بالذات مفتتحاً رؤيته للعالم منذ كان طالباً في المرحلة الإعدادية وليفور بجائزة محلية بعد كتابته هذا ا لنوع من القصص، لتصبح تالياً مجموعات قصصية بعناوين دالة، منها «ما حدث وما لم يحدث، موت مدرس التاريخ العجوز» فضلاً عن شراكته مع الفنان المسرحي زيناتي قدسية في نصوص مسرحية مكتوبة بعنوان دال أيضاً «الحصار، الخروج من سم الإبرة، مجنون يحكي عاقل يسمع»، ويمكن لمن قرأ هذه المجموعات القصصية أن يعثر على الأسئلة الذكية لحاتم علي، بفرادة الشخصيات التي رسمها انطلاقاً من دواخلها النفسية والوجودية، بما يمكّنه من الكتابة بما يعادل تلك الشخصيات ومحكياتها، من عمق وثراء متخيل، ويعادل ذلك -بطبيعة الحال- اللغة الطليقة التي وشحها أسلوبه الساخر، والمستبطن خفايا الأعماق ولتصبح شخصياته أكثر قدرة على الحياة، في مقابل نزعات استهلاكية أي تشييء الإنسان –إن جاز لنا التعبير- كتابة لم تذهب إلى الفرد بوصفه فرداً وإنما ذاتاً جمعية تتعرض لتقويض يطاول أنساقها المجتمعية والتاريخية والإنسانية، تجربة مع الكتابة لن تطوى لأنها أصبحت عتبة لعين الرائي ليخرج إلى النص البصري، كاتباً بالصورة ومعضداً لدلالتها إذن كيف نقارب فهمه للتغريبة حينما كانت محض نص على الورق قبل أن  تصبح وثيقة للسيرة التراجيدية الفلسطينية، بوصفه شاهداً عليها ومقيماً بين ظهراني حكاياتها ومحكياتها، هذا شعوره حينما كان يدخل المخيمات الفلسطينية ليناقش التغريبة الفلسطينية مع الذين عاشوها حقاً ولم يزالوا، لتصبح تغريبته هو حينما كتب سطرها الأخير لكنه من وقع حضوره لا غيابه.
.

*كاتب وناقد فلسطيني- سورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى