إضاءاتالعناوين الرئيسية

جدلية النبوءة والاستشراف.. علي أحمد هلال

…صحيفة الوسط – midline-news
.

ما ينطوي عليه الإبداع كما الفنون عامة في جدليتها الأثيرة هو بالقدرة على النبوءة والاستشراف، أي في التجاوز واستشراف المستقبل ولذلك تجلياته في الحقل الروائي مثالاً رواية جورج أورويل الشهيرة (1948)، وما تلاها من روايات مثل (مزرعة الحيوان)، وبمعنى آخر في قدرة الإبداع على أن يتمثل مأثرته في الذهاب أبعد من راهنية بعينها، ليقرأ في الأنساق والمضمرات بدلالات الانفتاح الدلالي وبما يغني التفكير الإبداعي ومنظومته العابرة لأزمنتها وأمكنتها، ليصبح الإبداع هنا أكثر دينامية في قراءته لزمنه وما بعده.

فهل تمتلك القصة القصيرة أو القصة القصيرة جداً تلك الجدلية؟
ليس ذلك محض سؤال بقدر ما هو جواب فتحت في مساربه غير أفق معرفي وجمالي، القصة القصيرة جداً بجماليات تأويلها وانخطافها إلى لحظتها الفارقة.

في أوائل السبعينيات كتب الشاعر محمود علي السعيد قصصاً قصيرة جداً –وهو الرائد في هذا المجال- كانت بعنوان (المدفأة) بطباعة خاصة، وأولى هذه القصص حملت عنوان (السجين)، وهي لا تتجاوز في شريطها اللغوي سبعة أسطر فقط: «في قطعة من اليابسة…
يطبق الليل على القاعة بصورة لم تعهدها من قبل، ينسف موجات البريق المتسلل بنمطية عجيبة من بين أصابع الرقابة الأخطبوطية، والبطل المستلقي كومة قش على سطح البلاط الأملس يستمد الصحة من عنفوان الوعي المفولذ بالاستقامة في عملية توليف بين الممكن والمستحيل، ينتفض بعدها والأفق يشف عن فلق، ليشق عصا الطاعة وهو يلقي بنفسه في حوض المطلق يصطاد عصافير الشمس».

تنتهي القصة هنا لتفتح في أفق الأسئلة ونحن نقارب حدثاً فلسطينياً استثنائياً، هو تمكن ستة من الأسرى من انتزاع حريتهم وقطفهم لنجمة المستحيل، إذ يلتقي -هذا الحدث- بالنسيج الدرامي للقصة وكأنها في كل كلمة تتحدث عنهم، مخترقة زمنها الماضي لتفيء إلى الحاضر وترهص بالمستقبل.
ليس ذلك محض قراءة تأويلية للنص القصصي القصير الذي كتبه المبدع محمود علي السعيد ومنذ زمن بعيد 1979، بقدر ما هي حساسية المبدع الحق حين يستشرف تاريخاً بعينه ويمنحه التجلي والثراء، لينتصر الأدب لقضيته، وبما يتجاوز السعة التخيليية إلى القبض على الممكن، وتأبيده.
.


*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى