ثمن التجرؤ على الهيمنة الأمريكية .. شارل ديغول و إيمانويل ماكرون

|| Midline-news || – الوسط…
في بداية الشهر الماضي 5/11/2018 دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تشكيل جيش أوروبي قوي وموحد لمواجهة المخاطر المتأتية من الولايات المتحدة وروسيا والصين .
هزّ هذا التصريح الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها دونالد ترامب ووصفه بالمهين خصوصا بعد الدعم الفوري والقويّ من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لدعوة ماكرون وترحيب بوتين بهذه المبادرة.
ترامب شنّ هجوما لاذعا على ماكرون وطالبه بدفع الأموال لحلف شمال الأطلسي قبل أن يتهمه بمحاولة لفت النظر عن شعبيته المتدنية وقال مغردا على تويتر “ماكرون يحاول الحديث عن موضوع آخر لحرف الأنظار عن شعبيّته المتدنّية، وعن نسبة البطالة التي تصل إلى عشرة في المئة”.
وغرّد مرة أخرى مستهزئا من فرنسا والفرنسيين قائلا “إيمانويل ماكرون يقترح تشكيل جيش خاص له لحماية أوروبا من الولايات المتحدة والصين وروسيا, لكن ألمانيا هي التي (أشعلت) الحربين العالميتين الأولى والثانية، فماذا نتج عن ذلك لفرنسا؟ لقد بدؤوا بتعلم اللغة الألمانية قبل دخول الولايات المتحدة على الخط وختم ترامب تغريدته مخاطبا ماكرون: “عليك أن تختار بين دفع الأموال للناتو من عدمه”.
في خضم هذه السجالات حول دعوة تشكيل الجيش الأوروبي وقّعت بريطانيا اتفاق خروجها النهائي من الإتحاد الأوروبي وبذلك ابتعدت بطريقة أو بأخرى عن أي توتر أو سجال وحتى معارك قد تخوضها القارة العجوز بقيادة فرنسا وألمانيا لنيل استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية .
بعد خروج بريطانيا بأسبوع واحد بدأت ما يسمى بحركة “السترات الصفراء” تحركها في الشارع الفرنسي للمطالبة بوقف سياسة فرض الضرائب ورفع أسعار المحروقات داخل فرنسا وأخذت هذه الاحتجاجات منحى عنفيا كبيرا لم يكن متوقعا أو حتى مقبولا من الشعب الفرنسي وخصوصا تجاه رموزه التاريخية مثل “قوس النصر ” ومعالم فرنسية أخرى .
كبرت كرة “السترات الصفراء” لتجتاح مدنا فرنسية أخرى وتزداد شراسة وعنفا وتنتقل إلى دول أوروبية مثل بلجيكا وهولندا وارتفع سقف المطالب في فرنسا من مسألة الضرائب وزيادة أسعار الوقود إلى المطالبة بإسقاط النظام الحالي ” الرئيس ماكرون ” ,وهذا ما أكدته الحكومة الفرنسية بالقول إن “الاحتجاجات اختطفتها عناصر يمينية متطرفة وأخرى أنارشية تصر على العنف وتثير الاضطرابات رغم تراجع الحكومة عن زيادة أسعار الوقود.”
طبعا الذي يجري في فرنسا اليوم ربطته الكثير من التحليلات والدراسات بما جرى في العام 1968 من مظاهرات وأعمال شغب في باريس وفرنسا عموما دفعت بالرئيس الفرنسي الأقوى والأكثر شهرة ,شارل ديغول إلى الاستقالة، هذه الاستقالة التي كانت في ظاهرها شعبية تحت ضغط الشارع والمظاهرات ,وخسارة الاستفتاء كانت في مضمونها سياسية وبعامل خارجي ” أمريكي ” مدفوعة بطلب ديغول استعادة الذهب الفرنسي من الولايات المتحدة الأمريكية بعد فك الأخيرة الارتباط بين الذهب والدولار وإنهاء الاعتماد على معادلة الدولار الذهبي كعملة عالمية, والتي كانت مضبوطة “سعر الأونصة من الذهب = حوالي 33 دولار” بسبب أزمة اقتصادية كبيرة في الولايات المتحدة.
طلب ديغول من مؤسساته المالية استبدال كل احتياطياتها الدولارية بالذهب من البنوك الأمريكية و حسب التزام الإدارة الأمريكية السابق ” اجتماع عقد في العام 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد جدل طويل تم اعتماد الدولار الذهبي كعملة عالمية” و يعني ذلك سحب الذهب من البنوك الأمريكية مقابل الاحتياطيات فرنسا من الدولار و هذا سيرتب كوارث اقتصادية أمريكية كبيرة وهو ما دفع الرئيس الأمريكي آنذاك لاتخاذ قراره المشهور ( تعويم الدولار ) أي فك الارتباط بين الدولار والذهب والتخلي عن التزامها الدولي بذلك ؟
وقبل ذلك في العام 1966 أعلن ديغول انسحاب فرنسا من حلف شمال الأطلسي ووجه رسالة إلى الرئيس الأميركي ليندون جونسون, في 7 آذار يعلمه فيها رغبته باسترداد السيادة الفرنسية على كامل أراضيها، من قوات الأطلسي المتواجدة على التراب الفرنسي، وكذلك الطيران المتجول في أجوائها, وأعلن انسحاب فرنسا من قيادة حلف شمالي الأطلسي.
ومع هذه التطورات بدأت قصة استقالة الجنرال بعد المظاهرات التي عَمَّت شوارع باريس وبعض فرنسا، في ما سُمي يومَها “أحداث آيار 1968” وفي 24 من ذلك الشهر، أعلن رئيس الجمهورية الجنرال شارل ديغول عن إجراء استفتاءٍ في الشهر اللاحق حول إصلاحات جامعية واجتماعية واقتصادية في الثلاثين من آيار, عاد فأَجّل موعد الاستفتاء بناءً على اقتراح رئيس وزرائه جورج پومپيدو، لمصادفة الفترة مع الانتخابات النيابية اللاحقة إلى أن عَيَّن الجنرال ديغول موعد الاستفتاء في 27 نيسان 1969، وصرّح ديغول أنه، إن لم يَنَلْ موافقة الأكثرية من الشعب، سيستقيلُ من منصِبِه .
خسر ديغول الاستفتاء وفي اليوم التالي، 28 نيسان وبعد عشر دقائق من منتصف الليل، صدَرَ بيانٌ موجَزٌ من سطرين، سمعَهُ الفرنسيون والعالم، جاء فيه حرفيا “أعلن عن توقفي عن ممارسة مهامي رئيسا للجمهوريةويصبح هذا القرار نافذا عند ظهر يوم 29 نيسان 1969
كان ذلك صوت ديغول وساد صمت ووجوم في فرنسا والعالم . فهل سيصل ماكرون إلى ما وصل إليه ديغول ,مع فارق الشعبية الكبيرة في فرنسا وخارجها بين الرجلين ؟ ربما يكون هذا احتمالا كبيرا ,فالجنرال ديغول دفع ثمن المطالبة باستقلال فرنسا عن الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا ,وماكرون سيدفع ثمن التجرؤ على واشنطن وحلفها العسكري “حلف شمال الأطلسي ” بالدعوة إلى جيش أوروبي خارج الناتو ,أما السترات الصفراء فهي إشارة تحذير وقد تكون باب خروج ماكرون من الاليزيه .
وسام داؤد صحفي سوري