ثرثرات نسائية غير فارغة في مسرحية “بيت روز” على مسرح الطليعة بالقاهرة

يعد عرض “بيت روز” الذي يقدمه مسرح الطليعة في القاهرة، كتابة وإخراج محمود جمال حديني، عرضاً إشكالياً، ومغامراً.. إشكالي لجهة القضية التي يثيرها، وهي قضية متعلقة بالمرأة، وبالتحديد بزواجها، ومغامر لجهة الطريقة التي اتبعها المخرج في تقديمه.
أربع فتيات تربطهن صداقة، يلتقين دورياً في مقهى، وتدور بينهن حوارات.. ولأنها حوارات بسيطة وصادقة ومكشوفة، نتعرف من خلالها على تركيباتهن النفسية، ومعاناتهن مع مجتمعهن، ونظرة كل منهن إلى الحياة، وطريقتها في التعامل معها، ولكل منهن منطقها ومبرراتها.
الأولى سحر (تمثيل سماح سليم) سيدة محجبة، متزوجة ولديها طفلان، كل ما يشغلها الحفاظ على بيتها وزوجها وحياتها، التي تراها مستقرة وآمنة، على رغم قسوة الزوج وتسلطه، والثانية سارة (سالي سعيد)، مطلقة أكثر من مرة، لديها شهرة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الآراء المتحررة التي تطرحها، والثالثة منار (نادية حسن)، فتاة تقدم لخطوبتها شاب لا تعرفه، ومطلوب منها أن تلتقيه في بيت العائلة، وهي مترددة حيال هذه الطريقة في الزواج، التي يطلقون عليها “زواج الصالونات”، أما الرابعة فهي نوران (هاجر حاتم) تعيش مع والدتها ولديها خوف من أن يتجاوزها قطار الزواج بعد أن تقدم بها العمر!.
إذاً الموضوع الرئيس الذي تدور حوله المناقشات يتعلق بزواج الفتيات، واكتفى العرض بمناقشة هذه القضية من وجهة نظر نسائية.. هناك من تؤيد الارتباط بشكل تقليدي، بحثاً عن السند والأمان، وهناك من ترفض، وهناك من تتأرجح بين القبول والرفض.. لذا كان العنوان” بيت روز”، أي بيت وردي، وما تحمله دلالة اللون الوردي من بهجة وسعادة وفرح ورومانسية ونعومة ورقة وأنوثة، وكأنه حلم كل فتاة، أن تسكن هذا البيت!.. ولكن يبقى السؤال: كيف يتحقق هذا الحلم وبأية طريقة، في ظل مجتمع ضاغط على المرأة بشكل دائم؟.
نقاش حاد في ” بيت روز”..
ينطلق عرض ” بيت روز” من مناقشة قضية الفتاة التي على موعد للقاء ذلك الشاب الذي تقدم لخطبتها، وهل توافق على هذه الطريقة التقليدية في الزواج، أم ترفضها، وتتطرق الحوارات إلى مشكلات صديقاتها الأخريات، ويحتدم النقاش أحياناً، ليفصح عن بعض المسكوت عنه لدى كل منهن!.. فالفتاة المطلقة مثلاً التي تدعو إلى الحرية والانطلاق، تثور عندما تعلم أن واحدة من صديقاتها سجلت حديثها التلقائي معهن، وتنوي على سبيل الدعابة بثه على “السوشال ميديا”، وكأن صورتها التي تبدو بها على مواقع التواصل شيء، وصورتها في حياتها اليومية شيء آخر، وهي نموذج لكثير من الفتيات في واقعنا الآن.
اختار الكاتب أربعة نماذج لفتيات نصادفهن دائماً في الواقع، فتيات لسن غريبات عنا، أو عن واقعنا المعيش، لدى كل منهن مشكلتها أو أزمتها، وترك الحوار بينهن يخبرنا بكوامن شخصية كل منهن، وإن حرص، بشكل نسبي، على عدم التحدث بألسنتهن، فتدخله الوحيد كان في حسم أمر الفتاة المقبلة على الزواج بشكل تقليدي، وهو الرفض المطلق لهذه الطريقة في الزواج.. ربما لو ترك الباب مفتوحاً من دون حسم، لأتاح حرية التفكير والسؤال للمشاهد، الذي لا شك ستختلف آراؤه حيال هذه القضية تحديداً.
الباب المفتوح..
على خلفية المشهد هناك شاشة عرض تقدم لقطات صامتة، من فيلم “الباب المفتوح”، الذي تم إنتاجه عام 1963، (نص لطيفة الزيات بطولة فاتن حمامة ومحمود مرسي وصالح سليم)، الذي يحكي قصة فتاة تبحث عن تحقيق ذاتها بعيداً من أفكار مجتمعها التي لا تؤمن بها، وكأن المخرج، بهذه العلامة، أراد تأكيد أن أغلب قضايا المرأة، منذ خمسينيات القرن الماضي وما قبلها بالطبع، لم تُحلّ حتى الآن، وما زالت هناك قيود مجتمعية تكبل عنق المرأة، وتمنعها من تحقيق ذاتها.
بعضهن يتواطأ مع هذه القيود، حتى تسير الحياة بحلوها ومرها، وبعضهن الآخر يرفضنها، وحتى من يرفضنها، لا يستطعن الجهر برفضهن، ويمارسن حريتهن في الخفاء بعيداً من أعين المجتمع التي ترصد عليهن حركاتهن وسكناتهن.
الأفكار والتساؤلات التي طرحها العرض ما كانت لتصيب أهدافها إذا لم تأتِ محمولة على أداء تمثيلي واعٍ لطبيعة العرض المختلفة، وهو ما اتضح، ربما بشكل أكبر، في أداء سماح سليم التي قامت بدور السيدة المتزوجة الراضخة لقوانين مؤسسة الزواج التقليدية، فبدت صاحبة خبرة وحضور وقدرة على أن تكون رمانة ميزان العرض، بفهمها لطبيعة شخصيتها،ومعها سالي سعيد، التي لعبت دور السيدة المطلّقة صاحبة الآراء الجريئة على السوشال ميديا بفهمها هي الأخرى لطبيعة هذه الشخصية وطريقة كلامها وطبيعة ملابسها، ونادية حسن في دور الفتاة المترددة بين رفض أو قبول لزواج الصالونات، وأخيراً هاجر حاتم التي يلح عليها هاجس مضي العمر من دون أن تلحق بقطار الزواج، ومعهن في دور النادلة مريم عيد.
هبة الكومي مصممة الديكور والملابس صاغت قاعة صلاح عبد الصبور في مسرح الطليعة عملياً وجمالياً، في الوقت نفسه.. فمساحة التمثيل هي القرص الدوار الذي يحمل منضدة الجلوس، والجمهور متحلق حول القرص، والكل يحتويه المقهى أو “الكافيه” الأكثر حداثة من المقهى التقليدي، بتصميماته وألوانه ومصادر إضاءته المبهجة.
قد يختلف بعضهم أو يتفق، سواء مع القضية التي يطرحها العرض، أو مع الطريقة التي لجأ إليها المخرج في صوغ عرضه، لكننا في النهاية أمام كاتب ومخرج له رصيده الجيد والمختلف في الكتابة والإخراج، ما يجعلنا نتأمل العرض بهدوء وعمق، ولا نتسرع في إصدار أحكام القيمة، تلك الأحكام غير المطلوبة أصلاً في التعامل مع الفن.
المصدر:انديبندنت عربية
صفحتنا على فيس بوك – قناة التيليغرام – تويتر twitter