تونس تسجل تضخماً بأكثر من 9%

سجلت نسبة التضخم، رقما قياسياً جديداً في تونس، وهو ما دفع عددا كبيرا من الخبراء الى إطلاق تحذيرات من تداعياته الوخيمة على المقدرة الشرائية للمواطنين خاصة في ظل أزمة اجتماعية ومالية متفاقمة.
وأعلن المعهد الوطني للإحصاء (مؤسسة رسمية) أن التضخم قفز من 8.6 في المائة في أغسطس/ آب الماضي إلى 9.1 في المائة في سبتمبر/ أيلول المنصرم، وهي أعلى نسبة تسجلها تونس منذ ثلاثين عاما.
ويرجع المعهد ارتفاع نسب التضخم إلى ارتفاع أسعار التغذية والمشروبات بـ 13%، والأثاث والتجهيز المنزلي بـ 11.6% والتعليم بـ 10.1% والملابس والأحذية بـ 10%.
وكشفت بيانات المعهد عن ارتفاع قياسي في أسعار بعض المواد الأساسية، على غرار الدواجن (27.4%) والبيض (25%) والزيوت الغذائية (21.8%) والغلال الطازجة (18.2%) ولحم الضأن (16.4%)، وهو ما يفسر تشكيات المواطنين من غلاء المعيشة في الآونة الأخيرة.
وعلى ضوء هذا الارتفاع، قرر البنك المركزي التونسي رفع نسبة الفائدة الرئيسية بـ 25 نقطة أساسية لتصل إلى 7.25 في المائة، في خطوة ستنعكس سلبا على الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين وأصحاب القروض البنكية، وفقا لخبراء.
إجراء ذو تأثير عكسي
ويرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والخبير المالي، آرام بالحاج، في تصريح لـ “سبوتنيك”، أن قرار البنك المركزي القاضي بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية سيؤدي إلى ارتفاع كلفة القروض سواء الموجهة إلى المواطنين أو الشركات.
وأضاف: “هذا الإجراء سينعكس سلبا على المواطنين الذين ستتدهور مقدرتهم الشرائية المتهاوية سلفا، وعلى الشركات التي ستكون في مواجهة زيادة كلفة الإنتاج، وهو ما سيدفعها إلى الرفع من الأسعار. وبالتالي سنكون أمام ارتفاع جديد لنسب التضخم”.
وخلص بالحاج إلى أن قرار الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية الذي يهدف في الأصل إلى كبح جماح التضخم قد يؤدي على الأغلب إلى تأثيرات عكسية.
ولفت الخبير المالي إلى أن هذا الترفيع ستنتج عنه زيادة في حجم التداين سواء على مستوى المواطنين أو الشركات أو الدولة في حد ذاتها، موضحا: “كلما رفع البنك المركزي في نسبة الفائدة كلما التجأت البنوك إلى توظيف زيادات جديدة على القروض بما فيها الموجهة للدولة، وهو ما سيعمق أزمة المالية العمومية خاصة في ظل شح الموارد الخارجية الناجم عن تأخر الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وهو ما يمنع تونس من الخروج إلى السوق المالية الدولية ويدفعها إلى التعويل على التداين الداخلي عن طريق البنوك”.
تضخم مستورد
ويقرّ أستاذ الاقتصاد آرام بالحاج بوجود مخاوف من تعثّر الاستثمار وتقلّص فرص تحقيق النمو الاقتصادي، مشيرا إلى ضرورة أن يتخطى البنك المركزي إشكاليات التواصل.
وبيّن: “عندما يقع الترفيع في نسبة الفائدة المديرية أكثر من مرة خلال سنة، فإنه من الضروري أن يكون القرار معللا ومبنيا على معطيات علمية دقيقة”، مشيرا إلى أن البنك المركزي لم يقدم تفسيرا لأسباب التضخم، بما يفهم أن التضخم ناجم عن ارتفاع الطلب الداخلي.
ويعتقد بالحاج، أن جزءا كبيرا من التضخم مستورد، فهو ناجم بدرجة أولى عن زيادة كلفة الإنتاج والارتفاع العالمي لأسعار الطاقة والحبوب، وهو ما يعني أن رفع نسبة الفائدة لن يعالج التضخم.
وحثّ الخبير المالي على ضرورة أن يكون هناك تنسيق بين البنك المركزي والحكومة وأن يتقاسم الطرفان مهمة كبح جماح التضخم، قائلا: “على الحكومة أن تتدخل على مستوى مسالك التوزيع والتخزين وتحسين مناخ الاستثمار، كما على البنك المركزي أن يغير سياسته الكلاسيكة في الحد من التضخم ويعتمد سياسات جديدة على غرار التيسير الكمي الموجّه، من خلال دعم الشركات ذات القدرة الإنتاجية الكبيرة الغارقة في الديون، لأن انقاذ هذه الشركات سيحل أزمة شح الإنتاج التي تمثل سببا رئيسيا في التضخم”.
وتزيد هذه التطورات من حاجة تونس إلى تحقيق تقدم في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي لتأمين قرض مالي بقيمة 4 مليارات دولار ستحتاجها لسد عجز الموازنة.