تغوّل المؤثرين … هاني نديم

تغوّل المؤثرين influencers- بدأ يقلق العالم إذ أصبح ظاهرةً عجيبةً في وقت يزداد فيه العالم ضحالة بسبب قلة التفكير اليومي وأدواته. اليوم حيث باتت الدهماء تدفع الحمقى إلى السطح فتجد الكثير من المؤثرين المُتابَعين بالملايين لا قيمة لمحتواهم سوى من خلال عدد متابعيهم الذين فضّلوا وركنوا إلى الراحة العقلية وعدم التفكير.
بحسب برنارد نويل Bernard Noël- في كتابه “موجز الإهانة” فإنه “لا يمكن للمعدة أن تتحمل الإمساك عن الطعام، أما الذهن يتعود بسهولة عكس ذلك، وكلما ازداد ضموره قل إحساسه بالحاجة، المبالغة في منع الغذاء عن العقل لا يعطيه شهية بل يجعله يشعر بالإشمئزاز والتعب من الغذاء”.
هذا ما تفعله وسائل التواصل على الدوام، فلا غرابة إذاً من أن أحد المؤثرين الكبار في العالم، يبث مباشر live بشكل يومي لمدة ربع ساعة، لا يقول شيئاً ولا يتلفظ بلفظ ولا يغير جلسته ولا ينظر للكاميرا، ويتابع هذا “اللامحتوى” عددٌ مهول يومياً.

.
عن تغوّل المؤثرين
في الأسابيع القليلة الماضية طلبت فتاة مؤثرة من أحد الفنادق في دبلن غرفة لمدة أيام كي تكتب بشكل إيجابي عن الفندق، فأجابها الفندق برسالة قد تصلح لأن تكون قانوناً علينا الأخذ به في التعامل مع هؤلاء الضحلين الذين دفعهم جمهورهم إلى الواجهة دون أي مبرر سوى التفاهة. يقول الفندق في رسالته: ”شكرا لك على الإيميل الذي يبحث عن إقامة مجانية مقابل الدعاية، يتطلب الأمر الكثير من الشجاعة لإرسال رسالة مثل هذه، ولكن ليس الكثير من احترام الذات والكرامة. إن تركتك تقيمين هنا مقابل فيديو عنا، من سيدفع المال للعمّال الذين يعتنون بك؟ من سيدفع لمن سيقوم بالنظافة بغرفتك؟ وهؤلاء الذين يقدمون لك وجبة الإفطار من سيدفع لهم؟ عامل الاستقبال الذي سيسجلك؟ من سيدفع للإضاءة والتدفئة التي ستستعملينها من أجل إقامتك؟ ربما يجب أن أخبر طاقمي أنك ستتحدثين عنهم أيضا في الفيديو لكي تدفعي لهم مقابل العمل الذي تم خلال إقامتك. ملحوظة: الإجابة هي لا”.
ماذا أكثر عن تغوّل المؤثرين؟!
الفتاة (طبعاً) خرجت باكية على بثّ “لايف” لجمهورها تستنصره وتستخدمه لمواجهة صلف الفندق، مما عرضه لحملة تشويه كبيرة إلا أن الفندق لم يذعن لتلك الضغوطات وخرج ببيان رسمي جاء فيه:
“بعد تلقي الكثير من الإهانات إثر قيام مدونة غير معروفة بطلب غرفة مجانية، اتخذنا قرارا بمنع كافة المدوّنين من الدخول إلى فندقنا والمقهى كذلك. إن حسّ الاستحقاق والحصول على أشياء كأنها حق وهي ليست كذلك؛ هو أمرٌ راسخ للغاية لدى مجتمع المدونين. وما حدث يضع الكثير من الأسئلة حول مصداقية مجتمع المؤثرين، علماً أن تلك المؤثرة كانت ستتحدث بطريقة جيدة دون النظر إلى السلبيات لدينا إن وافق الفندق على إقامتها مجانا”.
.
*شاعر وإعلامي سوري
.