أن تتعلّم لغة أخرى ، كأن تمتلك روحاً ثانية .. نجيب البكوشي ..
ميلاد اللغة الفرنسية يعود فقط لعام 842 ميلادية ..

أن تتعلّم لغة أخرى ، كأن تمتلك روحاً ثانية
كلّ ما هوّ عربي يثير حساسية مفرطة لدى إيريك زيمور، بالإضافة إلى قضية الأسماء العربية، فإن اللغة العربية نفسها تثير تحفّظه الشديد، حيث يعتبرها لغة متناقضة مع العقلانية مثلما ذهب إلى ذلك المؤرخ العنصري ارنست رينان في القرن التاسع عشر.
اللغة العربية اليوم حسب إريك زيمور هي مجرد موجّه ناقل للإنفصالية الإسلامية، لأنّه يجهل ان اللغة العربية ليست اللغة الخامسة الأكثر انتشارا في العالم فحسب بل كذلك هي اللغة الثالثة من حيث الإقتراض اللغوي للفرنسية بعد الإنجليزية و الإيطالية. ويجهل كذلك ان عدد الكلمات العربية في اللغة الفرنسية تزيد خمس مرات عن عدد الكلمات القلطية Celte، لغة “أسلافنا الغاليين” كما يقول الفرنسيون، من مجموع ستين ألف كلمة تُشكّل النواة الرئيسية للغة الفرنسية هناك 500 كلمة عربية.
فقط عند فطور الصباح يستعمل الفرنسي اربع كلمات عربية؛ يتناول Une tasse de café، كلمتا Tasse (الطاس) و Café (القهوة) كلمتان عربيتان، ثمّ يضيف Sucre (السكّر) لقهوته، والسكّر كلمة عربية، ثمّ يتناول Jus d’orange (عصير برتقال) ، كلمة orange متأتية كذلك من كلمة “نارنج” العربية.
ويمكننا ان نسترسل في تعداد الكلمات؛ كلمة ( جسمان/ Jasmin) الفرنسية هي كلمة ياسمين العربية، وكلمة (كُوطُن/cotton) الفرنسية هي كلمة قطن العربية وتوجد كذلك عشرات الكلمات العلمية، كلمة (آلجابر /Algèbre) الفرنسية هي كلمة الجبر العربية وكلمة (الغوريتم/ Algorithme) الفرنسية هي كلمة مشتقة من اسم عالم الرياضيات محمد بن موسى الخوارزمي، وكلمة (شيمي/ Chimie) الفرنسية هي كلمة كيمياء العربية، وعلامة الآروباز @ التي نستعملها جميعا في بريدنا الإلكتروني هي مشتقة من كلمة (أرّوبا/ Arroba) الإسبانية، المشتقة بدورها من كلمة “الربع” العربية وهي وحدة قيس قديمة. الكاتب الكبير ابن ميمون، الذي يُعتبر في التراث اليهودي النبي موسى الثاني، والذي كان طبيبا لصلاح الدين الأيوبي كتب اهم كتاب له “دليل الحائرين” باللغة العربية.
للإطلاع على كل الكلمات التي اقترضتها اللغة الفرنسية من اللغة العربية، احيلكم على كتاب عالم اللسانيات الفرنسي جون بريفو Jean Pruvost والذي يحمل عنوانا طريفا؛ “أسلافنا العرب، ما تدين به لغتنا لهم”Nos ancêtre les Arabes, ce que notre langue leur doit”، وكذلك كتاب وزير الثقافة والتربية الفرنسي السابق جاك لونغ والذي يحمل عنوان” اللغة العربية، كنز فرنسا”. La langue arabe, trésor de France
لسوء حظ إيريك زمور ولحسن حظ الإنسانية، الكلمات مثل الطيور، لا تحتاج إلى جواز سفر أو تأشيرة للسفر.
إيريك زيمور، في ما يتعلّق بمسألة اللغات، ليس معاديا للغة العربية فحسب بل كذلك للغة الإنجليزية، في الخامس عشرمن شهر أكتوبر الماضي، كتب على حسابة بموقع تويتر” نريد ان نحافظ على لغتنا، أجمل لغة، وأكثر لغة بيانا في العالم، نريد ان نحميها من التأثير الأمريكي والمغاربي والكتابة الشاملة”.
على امتداد تاريخها كانت فرنسا دائما أرضاً متعددة اللغات، حيث ازدهرت اللهجات واللغات المحلية. إضافة إلى أن تاريخ فرنسا ليس تاريخ اللغة الفرنسية، فميلاد اللغة الفرنسية يعود فقط لعام 842 ميلادية وبالتحديد لما يسمّى بقسم سترازبورغ، فهي مزيج من اللاتنية والقلطية المختلطة بلغات جرمانية. و تجدر الإشارة ان كل الملوك المؤسسين لفرنسا كانوا يتكلمون لغات جرمانية. أبرزهم شارل مارتال، العزيز جدا على زيمور، والذي اوقف الغزو العربي في مدينة بواتييه عام 732، أو حفيده شرلمان، احد الأسماء البارزة في العصر الوسيط الأوروبي، ومحل التجاذب بين فرنسا وألمانيا، والذي كان شغوفا ومنبهرا بالحضارة العربية الإسلامية. نعرف جميعا قصة الفيل الأبيض “أبو العبّاس” الذي قدمه الخليفة العباسي هارون الرشيد هدية ديبلوماسية لشارلمان. بالمناسبة جان دارك، الأيقونة الفرنسية التي استحوذ على رمزيتها اليمين المتطرّف الفرنسي، لم تكن تتكلّم الفرنسية.
اللغة الفرنسية لم تصبح اللغة الرسمية لفرنسا الاّ في القرن السادس عشر وبالتحديد سنة 1539 مع الملك فرنسوا الأوّل.
على امتداد قرون من الزمن تعايشت، اللاتنية والبروتونية، و الفلامانية والبورغينيونية والبكاردية والبروفانسيالية والغاسكونية مع اللغة الفرنسية في جميع انحاء فرنسا.
إريك زيمور ناطق بلغة واحدة، ونافذته الوحيدة على العالم هي اللغة الفرنسية، وأحاديته اللغوية هي بمثابة سجن فكري طويل الأمد. هل يعلم السيد زيمور ان بول روبار، Paul Robert الرجل الذي لعب دورا رئيسيا في تاريخ قواميس اللغة الفرنسية. الأب المؤسس لمعجمي روبار الكبير Grand Robert وروبار الصغير Petit Robert ، هو من اصحاب الأقدام السوداء، ولد في الجزائر وعاش فيها اربعين عاما بين اللغة الفرنسية واللغة العربية والإنجليزية؟
للأسف إريك زيمور هو كذلك من أصول جزائرية لكنه لن يستفيد من هذا التنوع اللغوي والثقافي لانه سيتخذ خيارا ايديولوجيا يرفض فيه اصوله الأمازيغية المغاربية ليختار الانصهار الثقافي الكامل في المجتمع الفرنسي. رغم ان لقبه العائلي “زيمور” هو كلمة امازيغية وتعني “زيتون” بالعربية.
شجّعوا ابناءكم على تعلّم لغات أجنبية وعلى الإنفتاح على ثقافات أخرى، إنها ثروة لا تقدّر بثمن.
يقول شرلمان ؛ أن تتعلّم لغة أخرى، كأن تمتلك روحا ثانية.
*نجيب البكوشي باحث وكاتب تونسي – باريس
تابعونا على صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews