تشكيليون.. رسموا لوحات النار بأصابع غير مرتعشة ثم حرقوها
ذُكرت النار في التاريخ والمثيولوجيا والفلسفة والدين والآداب والفنون

|| Midline-news || – الوسط …
روعة يونس
.
النار التي عانى وقاسى الإنسان الأول كي يكتشفها، لتلبي احتياجاته وتغير حياته.. هي ذاتها النار التي عانى وقاسى منها الإنسان السوري مؤخراً حين شبّت وامتدت وحرقت أراض كثيرة تمتد في الساحل السوري بين اللاذقية وطرطوس، لم تسلم من أذاها وحرائقها مناطق أخرى.
هبّ الجميع، يرصد النار ويحاول جاداً في إخمادها.. ومن ضمنهم “الفنانون التشكيليون” الذين حاولوا عبر لوحاتهم إخماد الحرائق بعد أن أشعلوا النار ألواناً في مساحات لوحاتهم. منهم من عاش “التنبؤ” ومنهم من انتظر اشتعالها ورسمها. ومنهم من أخمدها. لكن في كل الأحوال رسموا لوحات النار بأصابع غير مرتعشة ثم حرقوها..
وبينما نجول سريعاً مع النار بين الفيزياء والتاريخ والفلسفة والدين والآداب والفنون، نضيف لوحة لفنان/ة تشكيلي من سورية، رصد النار في لوحته؛ لإطفائها.

في الفيزياء، النار هي الطاقة الحرارية والضوئية ينبعث منها اللهب، الذي قد يتغير لونه وارتفاعه بحسب قوة النار، لكن يمكن للنار في معظم صورها أن تكون سبباً للحريق.
هذا تعريف يتداوله الفيزيائيون، في عصرنا الحاضر. لكن في العصور الأولى عبر تاريخ البشرية فإن الإنسان الأول استخدم النار للتدفئة والإضاءة والطبخ ومعالجة الأمراض وغير ذلك. وخاف منها حين أحدثت حرائق في محيطه!

والعلاقة بين النار والفلسفة قوية، فقد صنف أرسطو النار كواحدة من العناصر الأربعة الطبيعية (الماء والهواء والتراب والنار). فيما ذكر أفلاطون النار في حجة شكل الحياة وشكل الموت، وحتى في الفلسفة الصينية نجد النار من ضمن العناصر الحيوية.

في الآداب العالمية والمسرح وكافة الإبداعات الكتابية، بخاصة الأدب العربي منذ العضر الجاهلي نجد ذكر النار في بعض المعلقات العشر، وكذلك في عصور (صدر الإسلام والأموي والعياسي) بل إن “رسالة الغفران” لأبي العلاء المعري، ناقشت فكرة الجنة والنار وحيرة الإنسان بينهما! فضلاً عن عشرات الأساطير والملاحم التي خلّدتها المثيولوجيا. فيما عرض أدباء القرن العشرين لأفكارهم عن النار -بعيداً عن الدين- ولمَ هي رمز الجحيم!

وبالوصول إلى الدين.. نجد العلاقة بين النار والدين وثيقة لدى كل الأديان السماوية والعبادات الأخرى. ففي “الهندوسية” النار عنصر من العناصر المقدسة. وفي “الزرادشتية” النار عامل يدل على طهارة الطقوس، إذ يصلي “الزرادشتيون” بحضور شكل من أشكال النار. وفي اليهودية للنار رمز خاص في شموع الأعياد. أما في المسيحية فالنار رمز (الروح القدس) ووصف لحرارة الإيمان في قلوب المؤمنين (وهو وصف ينطبق على مشاعر العشاق سواء في العشق الإلهي أو العاطفي بين المحبين). كما وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة عن النار وجهنم.

في الفنون الأمر ذاته، حول العالم.. الكثير من الموسيقى العالمية حاكت النار وقدمت المعزوفات أصوات هسيسها. وثمة فنون تقام في مهرجانات تتصل بعبادة النار في افريقيا، ورقصات شعبية عن النار من اليابان. بل هناك منحوتات لأشكال النار ولهبها تُعرض في بعض متاحف وساحات أميركا اللاتينية.

في عودة إلى فناني سورية، فإن الكثير منهم قدّم لوحات عن النار (قبل الحرائق وبعدها) ربما اشتعل أكثر هذا التوجه، بعد الحرائق التي شبّت في أراضي سورية وغاباتها الزراعية. فنجد أن نصوصهم اللونية كانت بألوان النار، وسيدها الأحمر.
لعل الأبرز كان رسم الأشجار المحترقة. كما في اللوحة الرئيسية (الغلاف) للفنانة والنحاتة ليلى رزوق. وكذلك الفنان التشكيلي سموقان أسعد في لوحة أشجاره الشامخة رغم الحريق، وأيضاً الفنانة التشكيلية دعاء بطيخ في لوحتها المعبّرة عن الغابات المكللة بغيوم النار. فيما ترك الفنان التشكيلي كرم النظامي لوحته لمخيلة المتلقي وسط إعصار نيران لوحته.

حديث النار استمر مع الفنانين.. وربما ألوان لوحة الفنانة التشكيلية رانية الألفي كانت الأقرب إلى الواقع. وكذلك الأمر مع الفنانة التشكيلية سوسن بواب التي عكست ألوان لوحتها أجيج النار. وبينما شكّلت الفنانة التشكيلية هبةالله السمان بصيغة لونية نارية أحزان ومخاوف الكبار والصغار، اختارت الفنانة التشكيلية فايزة الحلبي بورتريه لوجه محروق بالأحمر! لكنه صامد متماسك، في دلالة واضحة على الثبات والتفاؤل. فيما كانت لوحة الفنان التشكيلي محي الدين الحمصي عن الفلاح، هي الأكثر إيلاماً، لكنها الأكثر تحدياً للظروف واستشرافاً لمزيد من العطاء ومحاولة إنعاش الأرض مجدداً.

*(لوحة الغلاف- الفنانة التشكيلية والنحاتة الأستاذة ليلى رزوق)