فضاء الوسط
ترجمة الأسماء الملكية الأوروبية.. (ترجمة- حيّان الغربيّ)

ترجمة الأسماء الملكية الأوروبية.. (ترجمة- حيّان الغربيّ)
تعد ترجمة الأسماء الملكية في القارة العجوز من مخلّفات التاريخ التي آن أوان التخلّص منها. خلال عطلة نهاية الأسبوع التي أعقبت وفاة الملكة أليزابيت الثانية، انشغلت الصحافة الأوروبية بترتيبات انتقال التاج البريطاني، ولكن لربما تسببت صحيفة “دياري دي جيرونا” الكتالونية لقرائها بشيءٍ من الحيرة والارتباك حين طفقت تشرح تغيير لقبي أمير ويلز السابق وزوجته. لعلهم قرؤوا عن بضعة أشخاص يعرفونهم بالفعل، مثل الملكة الراحلة اليزابيت الثانية وابنها تشارلز (كارلس) أمير ويلز السابق- Princep Carles. ولكن من هي ليتيرا- Llitera هذه التي تتحدث عنها الصحيفة؟
توصّل القرّاء على تويتر إلى الجواب، فالكلمة تعني بالكتالونية “سرير صغير” وهي مرادف لكلمة “كاميلا- Camilla- سرير نقال” الإسبانية. وهكذا، سرعان ما صححت الصحيفة الكلمة لتصبح “كاميلا”، وهو اسم زوجة الملك الجديد. اختلفت الدول فيما إذا كان ينبغي ترجمة أسماء العائلة الملكية كما اختلفت بشأن الوقت المناسب لأي ترجمةٍ كهذه، فاسم الملك “تشارلز” استحال “كارلوس” في وسائل الإعلام الإسبانية بينما بقي اسم زوجته “كاميلا” على حاله.
بيد أن الآراء تباينت حول ما ينبغي فعله مع الآخرين، فتارةً نجد زوجة الأمير غيليرمو- Guillermo- وليم هي “كاتالينا” وطورا هي “كيت”، أما شقيقه فهو أحياناً “هنريك” وأحياناً أخرى “هاري”، ربما لأنه من غير المتوقع أن يصبح ملكاً أو لعدم وجود مرادف واضح للاسم “هاري” بخلاف ما هو عليه الحال بالنسبة للاسم “هنري”. وعلى الرغم من ذلك، يكتفى بالإشارة إلى زوجته باسمها “ميغان”، الذي لا يوجد مقابل له بالإسبانية.
بيد أن الآراء تباينت حول ما ينبغي فعله مع الآخرين، فتارةً نجد زوجة الأمير غيليرمو- Guillermo- وليم هي “كاتالينا” وطورا هي “كيت”، أما شقيقه فهو أحياناً “هنريك” وأحياناً أخرى “هاري”، ربما لأنه من غير المتوقع أن يصبح ملكاً أو لعدم وجود مرادف واضح للاسم “هاري” بخلاف ما هو عليه الحال بالنسبة للاسم “هنري”. وعلى الرغم من ذلك، يكتفى بالإشارة إلى زوجته باسمها “ميغان”، الذي لا يوجد مقابل له بالإسبانية.
ترجمة الأسماء الملكية الأوروبية
ويسود ميلٌ إلى الترجمة في الصحف البرتغالية في حين تمتنع الصحف البرازيلية عن ترجمة الاسمين “أليزابيت” و”تشارلز”. أما وسائل الإعلام الروسية فتتبع نهج الألمنة إذ تحوّل “تشارلز” إلى “كارل”. وكان التوجّه العام في وسائل الإعلام الفرنسية والألمانية هو المحافظة على الأصل الإنكليزي للأسماء الملكية. إلا أن لتلك الدول طرائفها الخاصة أيضاً، ففي ألمانيا نادراً ما دعيت الملكة الراحلة بـ: “die konigin” وإنما جرى الدمج بين أداة التعريف الألمانية “die” وكلمة “queen- ملكة” الإنكليزية. إذا بدا ذلك غريباً، فيجب إذاً ألا ننسى أن آخر الملوك الألمان قد دُعي باللغة الإنجليزية بـ: “kaiser- قيصر” بدلاً من “emperor- إمبراطور”، وليست الأولى إلا تهجئة ألمانية حرفية لكلمة “Caesar” اللاتينية كما هو حال كلمة “tsar” التي تعتبر تهجئة حرفيةً للكلمة إلى اللغة الروسية.
ويسود ميلٌ إلى الترجمة في الصحف البرتغالية في حين تمتنع الصحف البرازيلية عن ترجمة الاسمين “أليزابيت” و”تشارلز”. أما وسائل الإعلام الروسية فتتبع نهج الألمنة إذ تحوّل “تشارلز” إلى “كارل”. وكان التوجّه العام في وسائل الإعلام الفرنسية والألمانية هو المحافظة على الأصل الإنكليزي للأسماء الملكية. إلا أن لتلك الدول طرائفها الخاصة أيضاً، ففي ألمانيا نادراً ما دعيت الملكة الراحلة بـ: “die konigin” وإنما جرى الدمج بين أداة التعريف الألمانية “die” وكلمة “queen- ملكة” الإنكليزية. إذا بدا ذلك غريباً، فيجب إذاً ألا ننسى أن آخر الملوك الألمان قد دُعي باللغة الإنجليزية بـ: “kaiser- قيصر” بدلاً من “emperor- إمبراطور”، وليست الأولى إلا تهجئة ألمانية حرفية لكلمة “Caesar” اللاتينية كما هو حال كلمة “tsar” التي تعتبر تهجئة حرفيةً للكلمة إلى اللغة الروسية.
وقد جرى العُرف بترجمة جميع الأسماء على اختلاف أشكالها، فخلال عصر النهضة غالباً ما نشر العلماء بأسمائهم مترجمةً إلى اللاتينية، بمن في ذلك كوبرنيكوس- Copernicus، الذي كان اسمه في بلده الأم، بولندا، كوبرنيك- Kopernik. وقد تواصلت عادة ترجمة أسماء الأشخاص المنتقلين من بلدٍ إلى آخر لقرونٍ من الزمن، فلم يكن شوبان يُدعى بـ: “فردريك- Frederic” من قبل أصدقائه في الحانة في وارسو، إذ كان اسمه عند الولادة وقبل انتقاله إلى فرنسا “فرايدريك- Fryderyk”. في غضون ذلك، جرى إطلاق اسم الكاتب الفرنسي “خوليو فيرن- Julio Verne (جول فيرن- Jules Verne بالفرنسية) على عدة أماكن في إسبانيا. وفي القرن التاسع عشر، أخذ الإسبان الشيوعية عن كارلوس (كارل) ماركس، كما سمعوا عن خوسيه (جوزف) ستالين وأدولفو (أدولف) هتلر في القرن العشرين.
يبدو وكأن ترجمة الأسماء تنتمي إلى حقبة مختلفة، وعلى وجه التحديد، إلى الزمن الذي كانت أوروبا ترى فيه نفسها دار المسيحية وموئلها. وبالتالي، كانت الترجمة سهلةً حينئذٍ، فمن المفترض أن الجميع قد حملوا أسماء القديسين الأوائل أو الشخصيات الإنجيلية، وهي أسماءٌ لها مرادفاتٌ في معظم اللغات.
وقد شقّت الأسماء الألمانية طريقها إلى شتى الأرجاء الأوروبية من خلال غزوات القوطيين والفرنجة وما شابهها. وسرعان ما أصبح لأسماء، من قبيل هنري وروبرت، مرادفات في معظم اللغات الأوروبية أيضاً. ولكن في عصرنا الراهن، تذهب مؤسسات مثل الأكاديمية الملكية الإسبانية إلى أن ترجمة الأسماء يجب أن تقتصر على الباباوات وغيرهم من الشخصيات الدينية والملوك وأفراد عائلاتهم فقط. وثمة سببٌ وجيه لحصر الأمر بتلك الجماعة المقدسة، فحتى لو أن الملوك ما عادوا يحكمون باسم الحق المقدّس، فهم يبقون أبناء طبقةٍ بعيدةٍ كل البعد عن رعاياهم شأنهم في ذلك شأن القديسين والباباوات. وفي حين أنه ليس مستحيلاً الانضمام إلى الزمرة الملكية، كما اكتشفت كاتالينا ميدلتون بنفسها، بيد أن المزاوجة الغريبة بين اسم عائلة كيت الذي يعكس انتماءها لعامة الشعب وبين اسمها الأول تكشف أن ترجمة الأسماء في العام 2022 لهي عادة أكل عليها الدهر وشرب.
كارلوس الأول هو ملك إسبانيا الذي حكم بصفته إمبراطوراً للإمبراطورية الرومانية المقدسة، مثله مثل كارلوس الخامس، وقد ولد في بلجيكا وأمضى جلّ حياته يقاتل في شتى أرجاء القارة العجوز، ويُشاع أنه قد قال مرةً: “إني أتحدث إلى الله بالإسبانية، وإلى النساء بالإيطالية، وإلى الرجال بالفرنسية، وإلى حصاني بالألمانية”، ولكن لا شيء يؤكد أنه قد قال هذا الكلام الذي يبدو معقولاً. وتستحضر السيرة الذاتية لهذا الإمبراطور زمناً كان فيها أفراد العائلات الملكية ينتمون إلى أوروبا كاملةً بقدر انتمائهم إلى بلدهم الأم. غير أنه زمنٌ قد ولّى، ولربما حان الوقت للتخلّي عن ترجمة أسماء الملوك جملةً وتفصيلاً، فهي تتناقض مع أجواء الوطنية المعاصرة. وينتمي الملك البريطاني، رأس البيت، الذي عُرف سابقاً ببيت ساكس- كوبرغ وغوتا، إلى بريطانيا ودول الكومنولث الأخرى أكثر مما ينتمي إلى ألمانيا أو روسيا أو البرتغال. وبالتالي، ستبدو مناداته باسم بالكاد يستطيع التعرّف عليه أقلّ كياسةً مما كانت تبدو عليه في الماضي ربما. ومن جانبهم، يبدو الألمان منقسمين فيما إذا كانوا سيمزجون بين الألمانية والإنكليزية لينادوه بالملك- Der King أو يكتفون بالألمانية فينادونه Der Konig، وهو الخيار الأكثر منطقيةً الذي يكتفي بترجمة الألقاب دون الأسماء. وبالتالي، يجدر بالأجانب الراغبين بتحية الملك الاكتفاء بترجمة لقبه دون اسمه، من قبيل القول: Da zdravstuvuet Korol Charlz! بالروسية، وEs Lebe Konig Charles! بالألمانية، وviva la Rey Charles! بالإسبانية، وجميعها تعني: يحيا الملك تشارلز!
.
*مترجم وشاعر – سوريا
.
-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews