بنوك المال مريضة .. الفقر ينهش بالعباد ومستقبل أسود .! .. هني الحمدان

كل شيء في حركة تغيّر، لا ثبات على حال ، ولا استقرار كالذي كانت الشعوب تتنعم به، فلم يعد أي حدث ذا أهمية، وحتى نهاية العالم لم تعد تبدو خبراً سيئاً، تذكّروا النعم التي كنتم تتنعمون بها بالأمس، احسدوا أنفسكم كم عشتم أياماً جميلة، فالحسرة على الأجيال القادمة كم ستعاني من أزمات، وكم ستغرق في أتون الكثير من المتغيّرات على كل الصعد، وربما على صعيد العادات والتقاليد وتهاوي الأخلاق ..!
ربما لم يعد العباد يكترثون أو ينشغلون بوتيرة الكوارث والحروب والأزمات، والتي أصبحت أسرع مما قد تستوعبه قريحة الشعراء وكتّاب التاريخ.
اليوم تتسارع الأحداث وتتغير العوالم، انهيارات لنظم وفلسفات، لبنوك ومؤسسات عملاقة، دول تتسابق بعرض ترساناتها الحيوية، تلك الترسانات الضخمة قادرة وبدقائق معدودة على إلحاق الدمار بكل كوكب الأرض وفناء البشر، السياسة بموقع التناطح وفرض سطوتها، عبر تحالفات جانبية أو إشعال النزاعات بين الدول، وقد يكون بحكم الجيرة أو الأمة، لا ضير فإن للتحالفات كلمتها، وفي ظلّ كل ما يحصل هناك دول في موقع المتفرّج وتنتظر الفرج، وهذا يبدو أنه لن يأتي، دول وشعوب وجدت نفسها مطالبة بالثبات والتفاؤل، وعليها تناسي أن العالم يتراقص من الجنون واندثار المنطق وغياب كل عوامل الحقّ والإنصاف ..!
أزمة انهيار البنوك في دول العالم مقدّمة لحدوث أزمة مالية اقتصادية، ستكلّف الأسواق والخزائن المالية لاقتصادات الدول الخسائر، وتلحق بها تراجعات وتأخراً بمنظومات الإنتاج، وتالياً سيطرة التضخم وغياب لأي حلول ناجعة على المدى القريب، وما إن تبدأ الانهيارات المالية، كما حدث في أزمة المال التي ضربت دول العالم في العام 2008، التي بدأت أولاً كأزمة مصرفية خالصة، فمسالة هروب الودائع تضغط بقوة على كل القطاع المصرفي والمالي تشكل كابوساً، ولا أحد يتكهّن بكيفية المحافظة على بقاء هذه الودائع في خزائن البنوك، أمر سيترك آثاراً على أنشطة وإنتاجية اقتصاديات الدول ودول أخرى مرتبطة معها.
بمعنى آخر: بقاء أجواء التوتر غير صحيّة ومريضة، وهي من ينهش بأجساد الاقتصادات وبقائها فترة أطول تحت الارتهانات والمخاوف والضبابية المعرقلة للنمو، فأمراض البنوك مسألة خطيرة لا يستهان بها في علم الاقتصاد ومعزّزات النمو الإنتاجي وارتباطاتها الداخلية والخارجية، وهذا ما تجهد عليه المؤسسات المالية الأمريكية الآن لإبقاء أمراض البنوك ضمن حيّز صغير، عبر اتخاذ قرارات تخفّف من توسيع رقعتها.
هذه الحالة الجديدة، في ظل تداعيات انهيارات نظم الأموال والبنوك، إذا ما توسعت دائرة عدواها وأثر ارتباطاتها باقتصادات أخرى، ما هو حال اقتصادات البلدان الفقيرة، ومنها اقتصادات البلدان المنهكة في منطقتنا العربية …؟!
الواقع الاقتصادي الصعب الذي يلفّ جلّ دول المعمورة، ولو بنسب متفاوتة، لا ينقصه الحروب واشتعالها، مع سيطرة مخاوف توسيع الحرب الروسية – الأوكرانية، وإدخال دول أخرى، لكن بدرجة استخدام أسلحة أكثر فتكاً، وإذا ما تزامن حدوث ذلك مع توالي انهيار المنظومات المالية، فإن كل ذلك ينبىء بمستقبل أسود لشعوب عديد دول العالم، ودولنا ليست بمنأى عن مخاطر ما قد يحصل، فهي شعوب عانت ويلات اقتصادات حكوماتها الفاشلة، ووضع إنتاجيتها ونموها إلى تراجع ونقصان خطير، وكل السياسات الاقتصادية التي اتخذتها بعض الحكومات، ومنها على سبيل المثال الحكومة السورية، لم تكن على مستوى جديّة ما يطرأ من تغيّرات تعصف باقتصادات الدول، هي سياسات أبقت شعبها في قعر الزجاجة كما يقال ، شعب متمسك بالصبر رغم مرارة الفقر والعوز، شعب علّمته الحياة أن النهايات ما هي إلا أخلاق على الرغم من حاجته لكل شيء، شعب يملك من القصص والروايات ما يخبر بها الأجيال القادمة عن مدى تمسكه ورضاه وانتظار وعود الحكومات المتعاقبة وما سبّبت له من مواجع وفقر و”مصّ دماء” المعثرين، كلّها مواقف كبيرة، صحيح أنها مواقف تصنع الرجال، لكنها لا تضمن لهم “خدمة الصيانة”، فـ” فرن عيشهم” بات صغيراً جداً، ويكاد أن يحرقهم جوعاً..!
آخر ما تكرمت به حكومتهم عليهم، مع بداية شهر رمضان المبارك، تجهيز سلّة قوامها الشعيرية والرز مع ملحقات أخرى، بقيمة مئة ألف ليرة، تعادل تقريباً راتب موظف، مشكورة على ما قدّمته من إجراء يتحسّس وجع المواطن..!
الحكومات التي تشمّر عن سواعدها، وتصدر البلاغات والقرارات التي تسحب مقومات بقائها واقفة عن طريق إفقار المواطن وسحب أي قرش من جيبه، هي ليست بحكومات تعي خطورة الأحداث وتموّجات العالم وما يحصل من تغيرات وانهيارات، وربما دخول اقتصادات الدول بأزمة مالية خانقة،
ما هو طريقها ومسلكها وحالها يا ترى ..؟!..
إقرأ أيضاً .. مسارات واستقطابات جديدة .. هل تُبدَّد الغيوم الداكنة وتُرفرف أعلام الانفراج !؟
إقرأ أيضاً .. “الحالة السورية” .. استشراف للواقع والمستقبل ..
*إعلامي – رئيس تحرير صحيفة تشرين السورية سابقاً
المقال يعبر عن رأي الكاتب