بحثاً عن صورة القارئ.. أحمد علي هلال

في الندوة النقدية التي خُصصت لمناقشة تجرب الشاعر الطبيب محمد سعيد العتيق، وقوفاً عند آفاق التجربة، واستنكاهاً لنصوصه الإبداعه وما تؤول إليه في صيروراتها وعبر علاماته اللغوية التي ابتدأت بشذى البوح الشعري –وجد وعشاق الشام- وصولاً إلى رنين الظلال وما بينهما.
كان النقد وهو يستقرئ تلك العوالم والأكوان الشعرية بجملتها وسياقاتها، والأدل وبما انطوت عليه من سعي الشاعر إلى تأثيث صوته الخاص عبر محكياته الشعرية وتجريبه الفني الشديد التنوع، وبحساسيته اللغوية والتصويرية وحساسية الخيال الجامح، مروراً إلى سلطة المعنى التي يبثها الشعر عبر أزمنته المختلفة.
والحال أنها ندوة بما أثارته من أسئلة وما وصلت إليه من خلاصات تحيل القارئ إلى وعي الأكوان الدلالية المحايثة للتجربة. وبما اشتقه الناقد د.أحمد علي محمد، و(صديقكم كاتب هذا المقال أحمد علي هلال) من مقاربات تنوعت ما بين النص المراوغ والأكوان الدلالية لدى الشاعر العتيق؛ أحالا لأسئلة تلقفها القراء وأعادوا صياغتها بوعي خاص ظل يبحث عن صورة القارئ في وعي الشاعر، بمعنى هل يكتب الشاعر لقارئ بعينه؟
هذا ما يعيد الاعتبار لمسألة جديرة بالنقاش وهي وجود القارئ وتوضعه في شبكة الدلالات ومنظور التأويل بوصفه منتجاً للنص، وهو ما يذكر على الأقل بمستويات القارئ التي تحدث عنها الروائي وعالم السيميائيات (إمبرتو إيكو) حينما قال بالقارئ العام والافتراضي والمثالي وسوى ذلك.
لكن اللافت أيضاً في سياق الندوات الحوارية النقدية هو تأسيس لتفكير نقدي مختلف، الذي يجعل من مقاربة التجربة الشعرية مأثرة للقارئ، لا سيما القارئ المتعدد الذي يخصّب النص بتأويله وعلى ذلك ينبغي للتأويل أن يكون متعدداً بتعدد القراء، فالشعر بوصفه تجربة روحية خالصة فضلاً عن تقنياته وسعيه للتجاوز والمغايرة، هو من يملي أسئلته الكبرى والتي لا تخص الشاعر بقدر ما تخص الشعر، أو كليهما معاً في رحلة النص من التجربة إلى الوعي، النص بوصفه مؤسسة لغوية وفكرية وجمالية، وهو من يفترض قارئه صاحب السلطة وصاحب القيمة النهائية، ودور النقد في هذا السياق هو البحث عما يجعل إشارات النصوص تتسق لتنتج المعنى الكلي، وبذلك يفوز القارئ بفيض الرؤيا التي يشع فيها الشعر محتفظاً بزمنه الخالص، وعابراً إلى أزمنة بعيدة.
.
*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك:https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews