إضاءاتالعناوين الرئيسية
“بالأخضر كفّناه”.. د.مهند طلال الأخرس

|| Midline-news || – الوسط …
.
ثمة حكاية لقصيدة “بالأخضر كفناه.. بالأحمر كفناه” التي كتبها الشاعر العربي الفلسطيني الراحل عزالدين المناصرة الذي فقدناه اليوم -رحمه الله- وهي عن واقعة حدثت حقيقة. فقد كان الشاعر المناصرة في بيروت أثناء حصار بيروت عام 1982 وكان زميله بالسكن فدائي أردني من قرية حوّارة بمحافظة اربد.
لم يكن يعرف الشاعر المناصرة عن هذا الفدائي سوى أن اسمه الحركي “زياد القاسم” وأن زياد هذا له شقيق فدائي آخر جاء معه من الاردن، حيث كان من مقتضيات العمل الفدائي والسلوك الثوري ومن ضرورات الامن في تلك الفترة أن لا يسألوا عن الأصول والمنابت ولا عن الاسم الصريح، فكل التعامل والمعرفة كانت في حينها عن طريق الاسم الحركي الذي كان في حينها بمثابة بطاقة الاسم والهوية التعريفية الجديدة للمناضل والفدائي والذي يتخذه بمجرد أن ينخرط في العمل الفدائي، بحيث يختار المناضل اسما غير اسمه الحقيقي للتواصل مع الاخرين والتعريف عليه. وكان هذا الاسم هو ما يطلق عليه مصطلح الاسم الحركي، وهذا الاسم عادة ما يكون تيمنا بمناضل سابق أو أسير أو شهيد أو علم من أعلام السيرة العربية والاسلامية أو الثوار العالميين والغاية منه ابتداءً أمنية وثانياً: بهدف إحياء سيرة ونهج الثوار والرواد الاوائل والاقتداء بهم والسير على نهجهم وحفظا لذكراهم، وثالثاً وهو الأهم: نكران الذات في سبيل الشعب والفكرة والثورة وتغييب صيغة المفرد والانا لصالح الفكرة الجمعية نحن.
يقول الشاعر المناصرة: “كنا نعيش معا متآخين همنا الثورة” ويذكر كيف أن والدة الشهيد “زياد” كانت تحضر إلى لبنان بلباسها الشعبي كي تطمئن على أولادها “وتقابلنا جميعا ًوتحتضننا وتطمئن علينا جميعا ومن ثم تودعنا كلنا كأننا أولادها”.
ويتابع: استشهد زياد في احدى المعارك البطولية ضد العدو الصهيوني في بيروت ومن شدة القصف المتواصل على بيروت لم يستطيعوا أن يدفنوا زياد إلا بعد 3 أيام عندما هدأ القصف، وفي أثناء مراسم الدفن تصادف وجود أم فلسطينية “ختيارة” حاضرة لمراسم التشييع وقالت بلهجتها العامية البسيطة “سبحان الله جرحه لسى أخضر” أي أن جرحه ما زال ينزف.
علقت كلمات العجوز في عقل وذهن الشاعر المناصرة لتنفجر فيما بعد قريحته ويكتب قصيدته الشهيرة “بالأخضر كفناه”.
سمع الفنان مارسيل خليفه القصيدة والقصة التي كانت السبب في القصيدة، فلحن القصيدة وغناها عام 1984.
“بالأخضر كفّناه بالأحمر كفّناه
بالأبيض كفّناه بالأسود كفّناه
لا الريح تحاسبنا إن أخطأنا لا الرمل الأصفر
لا الموج ينادينا إن خطف النوم أعيننا
والورد إحمرّ
يا دمَهُ النازف إن كنت عذاباً يومياً
لا تصفرّ”.
.
*(كاتب وباحث وروائي فلسطيني- الاردن)