إضاءاتالعناوين الرئيسية

امتهان الإنسان … أحمد علي هلال

لعوالم السوشال ميديا الكثير من المفارقات، ولا سيما تلك التي تتصل بصناعة الضحك، وهذه الصناعة على الرغم –من نبلها المحتمل- إلا أنها تذهب إلى ما هو أفدح، أي إلى امتهان الإنسان وجعله أضحوكة واستثمار ردود أفعاله في حيز يكشف انفجار لا وعيه العفوي.
فحقيقة الضحك أنه فعل إنساني نبيل، يحيل من يستهدفه إلى ما يشبه دمية تتحرك بأصابع مجنونة وبأحابيل ماكرة، فهل نحتاج للضحك فعلاً في عالم كثيف المفارقات والتناقضات حدَّ الانتهاك؟
امتهان الإنسان
ثمة فارق نوعي، ما بين ما تنتجه مؤسسات الضحك في غير بقعة من العالم، ذلك الضحك المدروس دون أذى والذي يترك ابتسامة عميقة ولا يؤدي إلى جرح الشخصية المستهدفة، بقدر ما يهدف إلى شيء من الإمتاع المشترك ما بين صناع الضحك ومتلقيه، فمتلقي الضحك شريك في صناعة ابتسامة عابرة للجغرافيات واللغات، وسوى ذلك سيبدو خارج الأقواس، أي ثمة من يصنعون ضحكاً مؤلماً لا بقصد بناء المفارقة وحدها ولا بنية الأذى النفسي أو الجسدي، بل أكثر من ذلك هو استدرار شفقة المتلقي على شخصيات «ضحايا» لفكرة مجنونة وبوسائل غير نبيلة، تماماً كما يحدث مع من يتلقى ذلك –النوع- الذي نجد معظمه في ما ينتجه مغامرون في غير بقعة من العالم.
امتهان الإنسان 
القصد من الضحك أو التنكيت أو التطريف، هو الوقوف على التضاد في المواقف لا ابتذالها وتسطيحها والوقوف فحسب عند ردة الفعل الخارجة عن التفكير أحياناً، بحيث أنها تؤدي إلى أنواع غريبة من السلوك ليس أقلها توقف قلب بعض ضحاياها لثوان معدودات. ومن البديهي أن الكوميديا في نشأتها وفنونها توازي أفعال الدراما، لكنها ليست دراما الشوارع الطليقة والخارجة «من ثقافات» لا أصول لها، في حيز إنتاج الضحك وصناعته، أي ترسيخ منظومة تليق به من أجل إحراز توازن ما بعيداً عن عصف صناعه ومنتجيه، عصف بالكلمات والأفكار لا رصيد له سوى الاستهلاك، الذي فرض ثقافته على الذائقة العامة توسلاً لأن يحدث فرقاً في المزاج العام الأسير للجدية الصارمة، الاستهلاك بعموميته والذي يفتقد إلى الأفكار النبيلة.
.

*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
.

-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews/
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى