أتذكر النهاية كاملة، ولكن البداية لم تعد واضحة!
أتذكر كيف في يوم صيفي التقيتكِ، كنت مستغربة أنه رغم هذا الحر الشديد لدي أعصاب باردة!
حاولتِ استفزازي ولكن تبين فيما بعد أنني شخص فقد
الشغف حتى في هذه المشاكسات اللذيذة.
لحظات كثيرة جاءت معنا طوعاً لا كراهية.
مشهد تلو آخر حتى استطعنا إخراج فيلمنا. فيلماً أردتِه أن يشبهك فقط وأن لا أظهر فيه ولو بلقطة. و… حصل حقاً ولكن بطريقتي.
أتذكر..
عندما خاصمتني لسبب تافه، عندما صرخت في وجهك أن السبب تافه حقًا ليغضبني ولكني سأغضب على أي حال نكاية بك.. كانت تلك المرة الأولى التي تسمعين فيها صوتي، المرة الأولى التي تشاهدين في وجهي تعبيراً، حاولت أن تهدئي من روعي كنتِ آسفة. ليس لشيء، بل لأنك ومنذ فترة تركتني أتكوم! فصرت ممتلئة حتى منك وأنت بلا ذنب.. ولكني بالنهاية.. بنهاية مريعة حقاً أخفتك.
صرت تفهمين السبب الذي يجعل من فتاة رقيقة مثلي، تعاني من الوحدة. لم أكن بهذه الرقة فعلا.. كنت دائماً أشبه الفخ، وجهي مريح ولكن ما خلفه مربك!
هممتِ بالمغادرة مسرعة، نزلت سلم العمارة ولم آبه لدموعك التي نسيتها عندي.. التي تعمدت نسيانها كحجة لتعودي.. الأفلام التي تشاهدينها علمتك الكثير.
عيناك التي حدقت بي بفضول يوماً، رأيتها تحدق بقلة حيلة. كان صعباً علي أن تذهبي إلى منزلك بلا دموعك، أن تذهبي إليه، وتتركيني أتعامل مع شيء حساس مثلها؛ لا يوجد غيرك من يفهمه. لم أقصد البكاء.. كنت أقصدني.
نزلت خلفك، صوت خطواتي الثقيل أفزعك فهرولت فجأة كمن لدغته حاسته بالخطر.
ما أقسى أن تخافي مني! ما أقسى أنني كنت أعرفك لسنوات، وأنت عرفتني للحظة.
حاولت أن أنادي اسمك لكنه ماكان سيخرج بالنبرة التي اعتدتها لذلك كتمته…
وصلت لمنتصف الشارع الذي كنت ستعبرينه و التفت الي.. وقفتِ جامدة تحاولين أخذ قرار.. رأيت في عينيك زعلي، وفي عيني كنت ترين صلحك، لقد كانت لحظة سريعة.
دائما تكون كذلك.. الأوقات التي ننتهي فيها من كتابة فصل مرهق: سريعة، مشوشة.. ونذكرها حتى يصبح أخيرها كل البدايات.
أنت كنت ستتجهين نحوي.. رأيتها قدمك، ترتجل الخطوة.
لكن العجوز غريب الأطوار مر بشاحنته ملوحا لشخص لم يره أحد، مر مسرعاً وكأن شهية مركبته انفتحت نحوك، كانت
تبدو جائعة وتوجهت إليك بنهم.
حلقت أنت في الهواء، مثل ورقة مجعدة.. تذكرين، كيف كنت أجعد و أرمي قصاصاتي التي لا تكتمل إلى زاوية الجدار.
من السهل أن تقتل بطل قصتك الخاصة، من السهل أيضا أن تقتل أبطالا في قصصهم، طالما تعرف البطولة.
كنت تضحكين، لطالما كنت معجبة بهذا المشهد بكتابتي التي لا مصير لها. تخبريني دائماً أن هذه الأوراق لديها مصائر مختلفة حتما.. وهكذا أنت رحلت، وأنا من جعدتك ورميتك إلى الزاوية. ففهمت اليوم المصير الذي كنت تقصدينه.
كل أوراقي التي جعدتها ظهرت عيونها في السماء فجأة، وظهرت أنت من كل مكان بكل هيئاتك. كان يجب أن أمسك بواحدة. لكنني مثل الذي تمطر عليه ذكرياته فجأة، تخبره روحه أن يجمعها، لكن الحياة المودعة فيه تفتح المظلة،
لهذا السبب لا أحد يحب حياته لأنها ليست حياته فعلاً، مجرد نزيل، أنت مكان ليرتاح فيك من طبيعته وسيغادر حتما ليعيش بجدية في مكان آخر. فلو كنت أنا حياتي لما كنت ستواجهين موتا ليس بموتك.
تدليت من يدي.. ولوهلة نسيت كيف كنت أستطيع أن ألمّك. بكيت على وجهك وكان شيئاً بداخلي يسخر منّا.. لقد اغمضت عينيك وفوّت أهم مشهد، أنا الآن أمارس بطولتي التي اخترتها أنت عندما رأيتني في أول مرة.. خيالا عجيبا تبادر بذهنك، أنني مشروع قاتلة مذهل!
هذا الوجه البارد الذي بلا تعابير أدى في لقطة كل سيناريو الوجع…
أتذكر أننا اشترينا مرة سلاسل فضية، أنت ارتديت التي اشتريتها.. وانا ارتديت خاصتك. اتفقنا ان تبقى في مكانها إلى الأبد. فأخبرتني أنني ساضيعها بعد اسبوع، وضبطت ساعتك لتبدأ العدّ.
سنوات مرت ولم يصل التوقيت الذي عينته.. أخبرتني فيما بعد أنك قررت أن تجدي في خوفًا.. وفعلتِ.
في ذلك اليوم.. لاحظت أن قلادتك انت التي لم تكن في مكانها، تخيلي أنك كنت تحتضرين في يدي، وأنا كنت أتمسح فوقك، ولكن خلية ما في مخي سألتني: هل حقاً ضيعت قبلي السلسلة؟
في أوقات كثيرة كنت أسأل.. لماذا أنت من مضى ولست أنا؟!
الآن…
أظن أن كل منا تعرف الإجابة… أننا عرفنا يومها أنها لم تكن مجرد سلاسل!
يزعجني تخيل شكلك وانت ترحلين، حاملة معك الحياة الحلوة التي عشناها مثل كيس قمامة.. يزعجني انك تشاهدينني من ثقب ما.
أنام حتى المساء، استيقظ وأشرب الشاي أمام نافذة نصف مفتوحة.. النافذة التي تطل على جارتنا العزباء التي تحفظين رويتنها، وتحذريني أن لا أصبح هكذا، تبقى حصتك من الماء الساخن على الموقد.. وبيجامتك المفضلة في مكانها على الأرض، شطيرتك التي أعددتها لم تفسد في الثلاجة، والفيلم الذي أردت مشاهدته اكتمل تنزيله في الحاسوب.
يزعجني أنك تشاهدينني، أتجاهل كل هذا كما لو أنك ستعودين وتوضبين بنفسك فوضاك. أجلس على مكتبي، لا يضيء هاتفي المحمول في شيء.. في الحقيقة لم يعد يضيء أي شيء ليشتت انتباهي.
عيوني بقيت مفتوحة على ذلك النهار، على كل الأصوات التي تمر بسرعة. على كل من يقرر أن يكون حنوناً ويجرب المبادرة.
يحل الفجر الذي كنت تحبيه.. تشتغل أغانيك التي لا أحبها، ومن المطبخ تتصاعد رائحة الفطور الذي تعدينه. أضع صحنين على الطاولة، أنتظرك طويلا لتنتهي. وكعادتك، تستغرقين وقتاً أطول من المعقول لإعداد بيضة.
أبدل ملابسي، أجد قلادتك على حافة الطاولة.. تبين أنك تركتها هناك مقطوعة.. كنت قد قررت حقاً خلعها وكان أهون عليّ لو أنك أضعتها فحسب. أرتديها وأصبح شخصين في ذاكرة واحدة، ثم أخرج بحقيبة ظهري، يعرف كل سائق إلى أين يأخذني ولكني أفضل المشي. أصل إلى قبرك، وأتوسد التربة التي تختنقين منها.
أليسو يدفنوننا فقط ليقنعوننا أننا حقاً نموت؟ عندما نفتح عيوننا ونجدها مسدودة بالرمل.
ماذا لو استيقظ شخص ما فجأة وأفزعه المكان؟
ماذا لو استيقظتِ فجأة، حاولت الخروج ولم تقدري.. إن كنت ستطلبين المساعدة أنا من سيأتي أولا في بالك.. أم تغير هذا أيضاً؟
يقلقني أن آتي في بالك، أن تثقي بأنني سآتي للمساعدة.. ولا أجيء.
أحدثك بصوت أعلى من المعتاد. أخبرك أن لا شيء أقوله لك ويخفف هذا الملل، ان كل ما فاتك قد فاتني أيضاً. قررت فقط أن انتقل للعيش وحدي، ليس خوفاً من تكرار التجربة، فأنت كنت، كل الذين دفعتهم إلى حتفهم.
أنا فقط سأغير عنواني، لأنني أنا من أخطأتِ في حقه، ولأنني لم أعد أريد انتظار صُلح منك.
لا أجد ما أفعله هنا، أدرك الآن مدى صعوبة أن يكون لديك صديق مثلي، لابد أنني كنت أصعب حتى منك وأنت ميتة!
اخرج دفتري..
وأبدا بإعادة كل ما كنت قد كتبته.. لا جديد أيضاً لأكتبه. ذلك النهار كذلك لا يبدو جديداً.. لقد حدث مراراً ومراراً ولم أعد احس بثقله.
لا بأس أحياناً بأن نعيد الكتابة..
على الأقل أنا أستطيع أن أتكهن تعابيرك. تذكريه! الخجل ذاته، يتفاقم فيّ ببراءة المرات الأولى. أنتظر يدك التي تصفق وضحكتك التي تسخر. عيناك التي تلمع باتجاهي والوسادة التي تقدميها كجائزة عالمية للأدب، ولا يأتي غير صوت موحش من البعيد. صوت كأنه قادم لينهي ما بدأه. قادم لأنه نسي معي شيء ما..
يناديني إليه.. ولكنني أخاف! أخاف يا صديقتي أن أذهب فيكون أنت.
أنت التي تريدنني أن أنتقم.