إضاءاتالعناوين الرئيسية

النقد، والنقض! .. مراد داغوم

.إن توظيف الخبرة الفنية والصحفية في عرض ونقد أحداث فنية بعينها هو أمر هام، ينبع سموّه من رفعة ما يهدف إليه هذا النقد. أما أن يتعداه إلى سخرية شائنة من نجوم كبار وتقزيمهم بدون مسوِّغ حقيقي، فهو أمر مثير للاستغراب، على الأقل، سيما وأنه حدث على صفحات جريدة عريقة نحترمها ونتابعها.

للدخول إلى الموضوع، أكرر التذكير بحقيقة أن وجود ملايين من البشر يعبدون البقرة (الهندوس)، لا يعني أن الإله بقرة بالفعل! لأن المقال المعني استند إلى حقيقة أن أغنيات ما يسمى بالـ”مهرجانات” في مصر لها متابعيها بالملايين؛ فهل يعني ذلك بالضرورة أنها أغنيات محترمة تستدعي الدفاع عنها إلى درجة السخرية من فنان عملاق مثل”هاني شاكر” إذا ما اتخذ إجراءات قانونية للحد من إنتاجها وانتشارها، وتكون السخرية على صفحات منبر إعلامي عريق مثل جريدة “الأخبار” اللبنانية؟ كما تضمن المقال اعتبارات أخرى مثيرة للذهول، فبحسب الكاتب، فإن “الفنادق الكبرى” هي تجمع “الصفوة”، صفوة القوم، الذين يحق لهم معرفة الغث من السمين في الفن لمجرد مقدرتهم المادية على ارتياد تلك الفنادق ومن ثم دعم ما طاب لهم من أنواع الفن المبتذل، بأموالهم! ثم اتهام هذه الصفوة ذاتها -ويا للعجب- بالتراقص مساءً على أغنيات سينتقدونها في الصباح.

قياساً على حيثيات المقال في الحكم على نجاح فني ما، يطبق المقال تلك الأحكام ليقول أن “هاني شاكر” لم يُصدر أغنية ناجحة منذ عشر سنوات! أما اعتبارات ومقومات النجاح المعنيّة فلم ترد في المقال المذكور.
الملفت للاهتمام هو ذلك المجهود الواضح المبذول للدفاع عن أولئك “المُهَرْجنين”، نسبة للمهرجانات، عبر إلباسهم لبوس الضحية الذين تعرضوا لجريمة ارتكبها “هاني شاكر” بحقهم وهو يجلس على مقعد نقابة الفنانين (تهمة بديعة)، ثم تصويره كضابط شرطة، وطفل يصرخ في مختلف الوسائل الإعلامية، إلى أن يتم تشبيهه بالإله الإغريقي “كرونوس” الذي التهم أبناءه!

في مصر، كما في كثير من الدول الأخرى، تقوم جهات رسمية بتنظيم ممارسة العمل الفني وفقاً لقوانين أصدرتها الدولة وهي مسؤولة عن تنفيذها. لا ينبع سلوك “هاني شاكر” من شخصه المجرد، بل من آلاف الفنانين الذين يمثلهم بشخصيته “الاعتبارية” كنقيب لهم. كما أن تنفيذ تلك القوانين هي حق مشروع لهؤلاء الفنانين حفاظاً على مصالحهم أولاَ، وعلى مستوى ونوعية العمل الفني عموماً، ثانياً. لذلك، فإن انتقاد سلوك نقابة الفنانين في مصر عبر شخصية رئيسها ليس حقاً لأي كان، بل هو محصور بفنان أولاً، ومتضرر ثانياً.

وهنا أتساءل باستغراب شديد: ما هي الصفة الفنية التي يجملها كاتب/ة المقال التي تخوله أن يطلق أحكاماً كالتي أعلنها في مقاله؟ تتحدد مسؤوليته في إبداء رأي، وكفى، من قبيل” أعجبني/لم يعجبني”، أو “أحببته/لم أحبه” وحسب. أما إطلاق الصفات السابقة على فنان كبير مثل “هاني شاكر” فلا يمكن قبوله على أنه حرية صحفية لأن الصحافة لا تنتقص قدر الأشخاص بل تقيّم أعمالهم بشرط استحقاق إطلاق أحكام التقييم، وهذا الاستحقاق يتطلب شهادة فنية نتيجة دراسة آكاديمية مختصة تشترطها غالباً الجهة الناشرة، وليس مجرد رغبة في النقد.
تغص صفحات الصحافة العالمية بمقالات النقد الفني، لكنها دائماً تكون مُذيَّلة بتوقيع فنان مخضرم، أو ناقد مختص نال شهادات في هذا المجال. وهي دائماً تحمل استعراض آراء وتخلو تماماً من إطلاق أحكام تقييمية أو من استهداف أشخاص بذواتهم، فهذه محض شخصنة لا تليق بسمعة صحفي غيور.

*(مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا).
.

هاني شاكر 2021، يغني باللهجة اللبنانية من ألحان صديقه “وليد توفيق”:
https://www.youtube.com/watch?v=wGFoRT2h8fU
تابعونا على صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى