الموسيقا الصرفة-3- عبد الوهاب.. مراد داغوم
إضافة إلى أنه كان يستعمل هذه المقطوعات في أفلامه مما ساهم في انتشارها وحفظها أيضاً. ففي فيلمه (الوردة البيضاء) عام 1933 أدرج عبد الوهاب مقطوعته “فانتازي نهوند”، وهي من بدايات موسيقاه التي كانت تفتقر إلى رشاقة جمله المعهودة حيث لا تستطيع بعد سماعها للمرة الأولى أن تتذكر أبسط جملة فيها، وفيها أيضاً (إسراف لحني) بالغ يضاف إليه تفريدات القانون والكمان التي هي أقرب إلى الارتجال من التأليف. ختمها بتغيير الإيقاع إلى ثلاثي (فالس) ينتهي مع زيادة سرعته.
يمكنكم قضاء سبع دقائق من الملل إذا أردتم مع هذه المقطوعة: فانتازي نهوند – 1933 – من فيلم الوردة البيضاء:
https://www.youtube.com/watch?v=rElu01h_vjU
ظهرت له أيضاً سنة 1935 مقطوعة بعنوان (شَغَلْ)، وهي عبارة عن لازمة تتكرر للفرقة يتخلل الإعادات تفريدات أو تقاسيم للآلات، وهذا النمط كان يعرف باسم (التحميلة)، قبل ختامها بقليل تحدث مشاجرة بين آلتي العود والناي بشكل يثير الأعصاب لا أدري ما الذي يقصده المؤلف بذلك كما درجت عادة بعض (المحللين الموسيقيين) أن يختلقوا أي قصد لهذا المؤلف أو ذاك من أي لحن له أو حتى توزيع لآلة ما وكأنهم من سكان دماغه أو أن الله خصهم بوحي من بين العالمين.
لمزيد من الملل، يمكنكم “الاستمتاع” بهذا الإسراف اللحني عبر الرابط التالي: محمد عبد الوهاب– موسيقا (شَغَلْ) – 1935.
https://www.youtube.com/watch?v=vk59czAQW3E
“إسراف لحني” آخر يتبدى جلياً في معزوفة “عتاب” سنة 1935، إلا أنها امتازت بتضمينها تفريد لآلة الكمان تؤدي أسلوباً غربياً. الإسراف الموجود في هذه المعزوفة يكفي لصنع 12 معزوفة على الأقل، وفي أغلبه حوار بين آلة ما وبين الفرقة، وبختام سريع نسبة إلى مؤلفات تلك الفترة التي امتازت الموسيقا والغناء فيها بالبطء الشديد اعتقاداً من المؤلفين والمؤدين بأنه أساس ما يسمونه “الطرب”، مع استثناء وحيد لـ”سيد درويش”.
إليكم “عتاب”، المعزوفة التي لن تتذكروا منها جملة واحدة بل عليكم الاستماع لها عشر مرات قبل ذلك: محمد عبد الوهاب – موسيقا (عتاب) – 1935
https://www.youtube.com/watch?v=4GNpxb6Crk4
بدا تحول في صياغة الجمل اللحنية في معزوفة “فرحة” عام 1935″ أيضاً، حيث تبدأ الوتريات الموسيقا وكأنها كتبت لآلات نحاسية، تشعرك بالحماس من مقام النهوند، وبعد هذه الافتتاحية يتحول المقام إلى العجم بجملة أنيقة رشيقة يمكن أن تعلق بذهن المستع ويستعيدها، تليها محاورة حزينة بطيئة بين الكمان والفرقة لتعود بعدها تلك الجملة الرشيقة. تليها جملتان أخريان بين كل منهما تعود تلك اللازمة، ليتم الختام بها بهارموني يستفز أعصاب المستمع.
محمد عبد الوهاب – موسيقا (فرحة) – 1935.
https://www.youtube.com/watch?v=SZltRu6RZ48
بينما امتازت مقطوعة (ألوان) 1935 أنها تبدأ مباشرة بجملة رشيقة تألفها الأذن مباشرة، تعاد عدة مرات يتخللها تفريدات لآلات مختلفة، دارجة على العادة ذاتها بإسراف لحني لا يعني سوى ازدحام الأفكار والجمل الموسيقية في رأس الملحن بلا رابط بينها يحتاج المؤلف أن يجمعها في مقطوعة واحدة تحت أي اسم يخطر بباله. تجدون ذلك واضحاً في هذه المقطوعة حيث تتسابق الجمل المختلفة للحاق ببعضها تفصل بينها لازمة المقدمة الجميلة.
محمد عبد الوهاب – موسيقا (ألوان) – 1935.
https://www.youtube.com/watch?v=wSWXRmT9l8c
برأيي الخاص، أول عمل يمكن قبوله أنه “مقطوعة موسيقية” لا تتضمن حشواً أو ازدحاماً لحنياً زائداً لمحمد عبد الوهاب هو مقطوعة “ألف ليلة” التي لحنها سنة 1938. فهي تتكون من لازمة رشيقة جداً من مقام البيات تبدأ بها المقطوعة تليها جملة اللازمة التي تتكرر وهي أيضاً ذات وزن رشيق ولحن قريب من الأذن والقلب، ومن جملتين أخريين تلي كل منهما تلك اللازمة، وتختتم بجملة ثالثة رشيقة يتم تسريعها للوصول إلي الختام، وهكذا قدم لنا محمد عبد الوهاب معزوفة لطيفة بما لا يتجاوز أربع جمل موسيقية، بما يبعده عن الإسراف اللحني السابق.
محمد عبد الوهاب – موسيقا (ألف ليلة) – 1938
https://www.youtube.com/watch?v=41Ho0ZIevqQ
بعد ذلك، ابتدأت أعمال محمد عبد الوهاب تلتزم شيئاً من التقنين اللحني انعكس إيجاباً بالتركيز على جمال ورشاقة الجمل الموسيقية وخصوصاً تلك المسماة “لازمة” تتكرر بعد الجمل الأخرى. هذا التركيز الذي أكد عليه بشكل ملفت في مقدمات أغنيات أم كلثوم التي لحنها هو، فقدم لنا جملاً موسيقية أقل ما يقال عنها أنها “عبقرية” في تركيز الميلودي، لكنه في موسيقا بعض أغنياته الخاصة فيما بعد اقتصر على جملة واحدة فقط عندما يرى أن هذه الجملة اللحنية تكفي عن ساعات من الإسراف، مثل الجملة العبقرية التي افتتح بها أغنيته “عاشق الروح”، وكانت هي أيضاً لحن مطلع الغناء، سأضعها هنا علها تغسل قليلاً آثار ملل المعزوفات السابقة (وسنتابع تطور الجملة الموسيقية عند محمد عبد الوهاب في مقالات أخرى)
محمد عبد الوهاب – عاشق الروح
https://www.youtube.com/watch?v=Ephtm3UDuGc
.
*مراد داغوم.. مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا
-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews