رأي

المثقف العضوي وطريق الجلجلة .. غسان أديب المعلم ..


المثقف العضوي وطريق الجلجلة ..

أن تفكّر في سوريا بالإنسانيّة والإنسان فذاكَ درب الجلجلة، وأن يحاول مثقّف ما نشر ذلك الفكر فقد يُلاقي الناشر السخريّة كديوجين ومصباحه الشهير، ولو جعل من النشر لأجل هذا الفكر قضيّته الأولى وحربه، فمصيره لن يختلف عن مصير غرامشي!!

أن تفعل كلّ ذلك في بلدان شرق المتوسط ومنها سوريا فقد ترحب بك منصّات الإعدام إن لم تكن الظلمات مصيراً دائماً!!

فالظلام يخيّم على الواقع السوريّ الثقافي، ويجثم على صدره مُطبقاً على أنفاسه..

فما تكاد نَفُسٌ أن تكتسب بعضاً، أو قليلاً من الجماهيريّة مع تأثير في الوعيّ الجمعيّ حتى تكسب هذه النفسُ الأذى والتهميش والإقصاء .. وعليها ما اكتسبت!

فهل أضحت بلاد الحضارة الأولى، والأبجديّة الأولى خاليةً تماماً من مثقّفين عضويّين حقيقييّن!؟.. أم هي مُتخمة وفيّاضة بهم كحاملين للأفكار دونما نشر، بحيثُ يبقى فكرهم مُنزوياً أمام الحواجز والقرارات، ويُقيّد الخوف أقلامهم، وتبقى رسائلهم الفكريّة حبيسة أدمغتهم لحين ميسرة، مع غربةٍ ما أو وصيّة، أو أن يبقى الكلام ضمن مجال الغمز واللمز الساخر، مع الاكتفاء بنشر العموميّات بعيداً عن بساط الحقائق الأحمديّ؟

بالتأكيد، وقولاً واحداً بأنّ هذه البلاد لا تنضب من المُبدعين، لكنّ الظروف المرحلية التي نهشت وحجّمت الحريّات بسياط الجلادين كانت عاملاً مؤثّراً للبقاء أو الإبقاء في الظلّ..

فالسلطات على عِداءٍ دائمٍ مع المُثقّفين والمُفكّرين العضوييّن، الذين وصفهم غرامشي وبوشكين بذات الصفات تماماً من حمل هموم طبقات الجماهير الكادحة والمحرومين والمظلومين، وأنّهم الذين يعيشون هموم عصرهم، ويرتبطون بقضايا أمّتهم، ويتحسّسون آلام المجتمع.

ولأجل هذا العِداء، دائماً كان المُثقّف العضويّ السوريّ يبدع خارج أسوار الوطن كأدونيس ونزار (أيضاً على سبيل المثال لا الحصر) وغيرهم، أو يُكرّم بعد وفاته، كالماغوط العظيم وممدوح عدوان (أيضاً على سبيل المثال لا الحصر)، بعد أن يقضي عمره مُهمّشاً منسيّاً، ومحطّ سخرية وازدراء السلطة ومثقّفيها المُصطنعين..

ولم تكتفِ السلطات بمنع أو محاربة الفكر الحقيقي الخارج عن مألوف آيدولوجيتها، والذي تخشى من أن يُعرّيها ويكشفها أمام الشعب المحكوم عليه سلفاُ بالجهل والتخلّف فحسب، بل عمدت إلى تعويم وتعميم ما يُسمّى بالمثقّفين التقليدييّن، والذين وصفهم غرامشي بأنهم يعيشون في أبراجهم العاجيّة مُستعلين على الناس، لكن حالهم على أرض الواقع كان أكثر سوءاً، فهؤلاء  لا تهرق أقلامهم ولو نقطة حبرٍ واحدة دونما تمجيد وافتخار بأحذية ولاة الأمور، وتعظيم خطاباتهم وإظهار بطولاتهم الخارقة، مع إبراز دورهم العطوف على الإنسانيّة جمعاء، بحيث قد تحتار الآلهة في السماوات بأحقيّة إدارة الكون من قِبَلِ الآلهة ذاتها أم من قِبَلِ هؤلاء!.

وعلى مسارٍ موازٍ عمدت السلطات إلى إلصاق صفة الثقافة والفكر برجال الدين المُصطنعين المؤدلجين، ليشكّل الطرفان حلقةً ثقافية فكريّة تنخر الوعي الجمعيّ من جهة، وتكون حائط سدّ وصدّ في الدفاع عن السلطات من جهة ثانية، لاستمراريّة هذا النوع من الثقافة والفكر، وإقصاء المثقّفين العضوييّن، وجعلهم أناس منبوذين وإلصاق صفة الهذيان والجنون بهم، هذا  إن لم يتجاوز الأمر بهم حتى الوصول للإتهام بالخيانة أو العمالة!!.

وبناءً عليه، وفي ظلّ الواقع القديم المُتجدّد، والذي بات بمقدور رجل دينٍ لا يمتلك من العلم والفكر شيئاً، تحريك شارع أو حيّ أو مدينة، وبنسبةٍ أقل يمتلك المثقّف التقليديّ هذه القدرة، بينما يكون المثقّف العضوي في وادٍ آخر من التجاهل.

إنّ هذا الأمر يُعدّ في غاية الخطورة، ولم ولن يكون الوطن بخير في ظلّ سيطرة هذه الثقافة على المنابر، مع سياسة التجهيل والتدجين المُتعمّد، والأجدى والأصحّ، أن قوّة الدولة بمواطنيّتها وتقدّمها الثقافي العلميّ الانسانيّ، والذي يتطلّب الحريّة والحوار وقبول الأفكار، وغير ذلك يكون الدرك الأسفل بانتظار الجميع، وتكون منصّات الإعدام ناشطةً على قدمٍ وساق، ونكون جميعاً بانتظار ما لايُحمد عقباه عند قتل الوعيّ عبر قتل الفكر.

*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحتنا على فيس بوك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك