الله الله في عُمَر وأمريكا ..
الله الله في عُمَر وأمريكا ..
بعيداً عن مدى صحّة الرواية من عدمها، لكنّها حكاية الميراث والموروث، حكاية الأرملة الفقيرة التي لا زاد عندها ولا من يحزنون، فقامت بطهي الحصى لأجل أن تسمع الصغار صوت قرقعة غليانها وتنام مطمئنّةً دون أن تأكل، حتى جاء الخليفة عمر بن الخطاب وسألها عن ذلك فأجابت: “الله الله في عمر”.
وقد تصلح الحكاية بفحواها لأيّ زمانٍ ومكان، تغفل بها عين الراعي عن رعيّته، وتطهو العامّة من الناس الحصى لإطعام صغارهم الخالية بطونهم من الطعام الصحيّ، ولو بمقدارٍ صغير رغم أنّه حقٌّ لهم!، ومرّة ثانية لسنا في وارد الحكاية التاريخيّة، بل بالحكاية الحاضرة المستمرّة كمسرحيّةٍ هزليّة
بالأمس، شغلت مسرحيّة “الآندومي” من حيث التهكّم أو اللامبالاة أو حتّى الخوف وربما إحساس الاقتراب من النهاية العديد من مواقع التواصل وهواجس السوريّين في أسباب وأبعاد ودوافع ما حدث.. فَ “الآندومي” بالعموم أضحت وجبة للفقراء بالغالبيّة بسبب ماتحتويه من مكمّلاتٍ غذائيّة وسُعراتٍ حراريّة، إضافةً إلى سعرها الرخيص مقارنةً بساندويش الفلافل على سبيل المثال، وإلى سهولة تحضيرها.
الوجبة الواحدة تعادل “ضعف” سعر ربطة الخبز، وتعادل “نصف” سعر سندويشة الفلافل، وهنا، أيّ في المقدار والقيمة كلّ المشكلة،
لسنا أيضاً في وارد الدعاية للمنتج، ولا حتى استعراضٍ لأساس المُشكلة الإنتاجيّة، فالصانع تذرّع بالمواد الأوليّة وندرتها ونفوقها رغم أن العقوبات لا تشمل الغذاء والدواء، ورغم أن المواد متوفّرة في دول الجوار، ورغم أنّها شركة رابحة بدليل عرضها وطلبها من الجمهور.
على المقلب الآخر، يُبادر وزير التهريج المدعوم للاتصال بالصانع بعد ساعة واحدة من إعلانه لتوقّف عملية الإنتاج، مع وعدٍ رسميّ بتذليل العقبات، ممّا أسفر عن ارتياحٍ كبير لدى الصانع ونشره لخبر العودة الميمونة للـ “الآندومي”.
ولا نعرف حقيقة ارتفاع سعرها بعد المسرحيّة، رغم أن عموم السوريّين يجزمون بهذا الأمر والنتيجة، فقد أضحت عادة مكرّرة لا علاقة لها بالحيلة، لكنّ تناقل الخبر الأول ونسبة التهكّم وكذلك المؤيّدين أو الرافضين أو حتى الخائفين من فقدان المادّة أو ارتفاع سعرها، كان دافعاً للخبر الثاني وهو خبر العودة.
الوجبة سعرها ضعف ربطة الخبز ولامست الخطّ الأحمر، وهذا التناقل قد يكون بمثابة رسالة تحضيريّة لرفع مادة الخبز كاختبار من الطرفين، الطرف الأول وهو الحكومة التي أشارت عبر مهرّجها بأن تكلفة الخبز تساوي ٣٥٠٠ ليرة، في حين أنّ ربطة الخبز السياحيّة أقل من هذا الرقم.
الطرف الثاني، وهو الشعب، الذي شعر باستدامة سياسة الاستغباء والإلهاء لإضافة المزيد من الحرمان والظلم والجور، وصولاً إلى ربطة الخبز، وبعدها ذرّات الأوكسجين أو ربّما ضريبة الحصى والرمل الذي سيستخدمونه للطهي، وربّما تُصدر الحكومة ضريبة إزعاج على صوت قرقعة الحصى.
ولا غرابة في الموضوع، طالما أنّ مجمل الوعود من مختلف المسؤولين ذهبت أدراج الرياح في صدقيّتها، وحضر الخراب بدلاً منها مع تبريرات العجز المعتادة، وأصبح التبرير جاهزاً حتى ماقبل الخراب في سابقةٍ قلّ نظيرها على مستوى العالم أجمع، فالوزير المهرّج ذاته، وبالنيابة عن باقِ الكركوزات، فتح عبر بطاقته الذكيّة باب التسجيل على المحروقات، وتحديداً مادة المازوت التي يستخدمها السوريّين للتدفئة، لكنّه وضع “شرط توافر المادّة” للحصول عليها، ولا داعٍ للاستفاضة في فهم الرسالة.
فأنتم يامعشر السوريّين على موعدٍ مع شتاءٍ قارص كما سابقه، وعلى موعدٍ مع فقدان القيمة الشرائيّة أكثر وأكثر، وعلى موعدٍ مع الموت البطيء، وعلى موعدٍ مع البؤس والشقاء والتعب والضنك أكثر فأكثر، وماشهدتموه حتى اللحظة عبارة عن حصّة تدريبيّة.
أمّا رسائل السوريّين، فهم يعلمون علم اليقين بالسرقات والنهب والسلب من المحتلّين لبلادهم أجمعين، ويعلمون حقّ اليقين أنّ المسؤولين في الداخل لهم ذات التأثير وأكثر سواء من ناحية السرقة أو الغباء في الإدارة، ورسائلهم من قبل ومن بعد: الله الله في كلّ محتلّ .. الله الله في كلّ المسؤولين.
وأخيراً .. لقد سمع عمر بن الخطاب دعاء الفقيرة وأنجدها، بينما من ابتلينا بهم من “اللامسؤولين” ، صمٌّ بكمٌّ عميٌّ .. لا يعتبرون.
الناس تأكل الخبز والماء يامن لا تمتلكون رحمةً ولا ضمير، فلا يأمننّ أحد ما، من انتقال حكايات الموروث عن عدل عُمر، إلى حكايات الثائر أبا ذرّ الغفاريّ، وأن تكون رؤوسكم مكمن ضربات سيوف الشعب.
لك الله يا بلادي ..
غسان أديب المعلم – سوريا
صفحتنا على فيس بوك