“الكالوري” .. حساب السرايا غير حساب القرايا .. غسان أديب المعلم ..

حساب السرايا غير حساب القرايا ..
يبدو أنّ حرب النجوم مازالت مستمرّة ومستعرة بالفعل، ودول العالم المتحضّر تسير بخطىً ثابتة نحو الإنجازات العلميّة المُتتالية، سواء في استكشاف النجوم والمجرّات، أو عبر سباق التسلّح وصناعة الأسلحة الموجّهة الذكيّة، بالتزامن مع تطوير وسائل الطاقة النظيفة تحسّباً وبديلاً وراحةً للإنسان في ظلّ متغيّرات الحروب وأحداثها التي تؤثّر على أسعار مواد الطاقة بين المعسكرات المُتناحرة، وصولاً وليس انتهاءً بكلّ مايكفل راحة الإنسان على مختلف الصُعد الطبّية أو غير ذلك من وسائل التقانة الحديثة ..
وبالتأكيد، إنّ “حكومتنا الميمونة” لن تدّخر جهدها للحاق بركب الحضارة، ولن تقف مكتوفة الأيدي حيال هذه التطوّرات المُتسارعة نحو الإنجازات والابتكارات التي تهدف لخدمة وراحة بال الإنسان بالعموم.
وبما أنّ “الإنسان السوريّ” هدف الحكومة المُعتاد وشغلها الشاغل، فهو محطّ رعايتها، ولن تتوانى لحظة عن تحقيق أفضل شروط الحياة له، مع مكمّلات السعادة التي تجعله محطّ حسدٍ من قبل شعوب الأرض قاطبةً، وربّما تجاوز ذلك الحسد لعموم كائنات مجرّة درب التبّانة أو غيرها من المجرّات!.
فحكومتنا الميمونة، وفي آخر تحديث لبرامجها وخططها في هذا السياق، تسعى لدعم “المواطن السوريّ” بخبزٍ فريدٍ من نوعه على مستوى الشرق الأوسط ربّما!، فقد أعلنت عبر “وزير خُبزها” بأنّ مراكز الأبحاث والدراسات العلميّة في الوزارة قد بدأت بدراسة كميّة السُعرات الحراريّة “الكالوريز” اللازمة للمواطن السوريّ لإبقائه على قيد الحياة ربّما، أو اللازمة لاستمراره فيها بشكلٍ جيّد جسديّاً بعيداً عن النوايا السيّئة.
لكنّ .. ثمّة معوّقات كثيرة وكبيرة قد لا تفِ بالغرض رغم أنّ مراكز الأبحاث العلميّة تعمل على قدمٍ وساق، فالمواطن السوريّ المنكوب لا يشابهه مواطن آخر على وجه البسيطة، وهو مواطن استثنائي بالفعل، ولا يمكن لأيّ مركز علميّ على مستوى العالم حساب سُعراته الحراريّة المُكتسبة أو النافذة.
فمن المعلوم أنّ جسم الإنسان يحتاج لسُعرة حراريّة واحدة مقابل كلّ كيلوغرام من وزنه خلال أربع وعشرين ساعة، فإذا فرضنا جدلاً أن متوسّط وزن المواطن السوريّ هو سبعين كيلوغرام “ذكور وإناث” فهذا يعني:
//1 × 70 × 24 = 1680// حريرة “كالوري”، وهذا الرقم يتضاعف لو كان هناك جهد جسديّ ليبلغ واحد ونصف سُعرة حراريّة ليصبح الرقم //2520// حريرة.
وبناءً عليه، من يستطيع حساب الحريرات اللازمة للمواطن السوريّ خلال معاركه اليوميّة؟.
المواطن السوريّ يبدأ يومه غاسلاً وجهه بدموعه أثناء النوم، ليخوض بعدها سباق ماراثون قفز حواجز يوازي دورة صاعقة لدى جيوش العالم للحصول على مقعد في وسائل النقل العامّة، وتبدأ معركة العمل سواء كان مكتبيّاً أو جسديّاً ليلاقي أجراً لا يوازي واحد بالمئة من الوقت والجهد المبذول في العمل، لتبدأ بعدها معركة حامية الوطيس لأجل الحصول على ربطة الخبز، مرفقةً بالصدمات والانكسارات الممزوجة بالعجز أمام أسعار مواد الطعام من خضروات وبقول وما شابه.
يعود المواطن السوريّ بعدها حاملاً كلّ خيبات الدهر إلى منزله، الذي من المُفترض أنّ يكون ملاذاً للراحة والهناء، لتبدأ معركة جديدة مع أرقام الآلة الحاسبة للتحايل والالتفاف وجرد الديون، لتأمين مستلزمات العائلة الأكثر ضرورةً للبقاء على قيد الحياة على أقلّ احتمال.
فمعركة البقاء على هذه القيود و وفق أسعار “وزارة الخُبز” فإنّ أيّ عائلة مكوّنة من أربعة أشخاص تحتاج لمبلغ سبعمائة ألف ليرة سوريّة لو تناولت وجبة “فلافل” فقط على مدار الشهر، بينما لا يتجاوز أجر أيّ عاملٍ في سوريا سواءً كان موظّفاً أو حرّاً ربع هذا الرقم أو حتى نصفه، فلافل فقط، دون حساب مستلزمات الوقود أو اللباس أو فواتير الكهرباء والمياه والأدوية ومستلزمات الدراسة وغيرها من الأشياء التي يحتاجها أي إنسان في هذا الكون.
بعد كل ما سبق، هل تستطيع هذه المخابر قياس كميّة الحريرات التي يصرفها المواطن السوريّ مع الشتائم والسخرية على مدار الأربع والعشرين ساعة!؟.
وهل تستطيع مراكز الأبحاث قياس كميّة الحريرات التي تترافق مع القهر عند المواطن السوريّ الذي يرى أعلام خمسة دول فوق أراضيه!؟.
وقهره عندما يتعرّض وطنه لعدوان؟.
وقهره عندما يرى وطنه غارقاً في الظلام؟.
وقهره عندما يرى أطفال سوريا بمعظمهم لا يملكون أدنى حاجيّاتهم من ثيابٍ وألعاب؟.
بل حتى أنّ غذائهم لا يحتوي على الحريرات اللازمة فعلاً لبناء أجسادهم بشكلّ طبيعيّ؟.
هل هناك ثمّة من يعيش في الصورة المُلتقطة لنجوم الكون بواحد بالمئة من سوء معيشة المواطن السوريّ؟.
وأخيراً، هناك كميّة حريرات يفقدها الإنسان بالتفكير والجهد العقلي، وسبق لبطل العالم في الشطرنج أن فقد كيلو غرام من وزنه كلّ يوم خلال جولات استمرّت عشرة أيام.
هل تستطيع مراكز الأبحاث العالميّة أن ترقب تلك الحريرات المفقودة جرّاء تفكير السوريّين وسط هذه النكبات والمآسي؟.
في الحقيقة، هي حريرات مكتسبة مخزّنة، هي حريرات من القهر والحقد والكراهية على هذه الطغمة التي أوصلت الحال لما هو عليه، وافتقدت لأدنى ذرّات الاحترام لشعوبها، وفوق ذلك استغباء هذا الشعب.
وختاماً..
بالتوازي مع مفاخرتكم بالانتصارات وتحطيم وسحق ومحق العالم، وتقسيمه لأقطابٍ متعددة، وتحقيق نظريات ربط البحار الخمسة، ليتكم تستطيعون صناعة ربطة خبز تليق بالبشر.
معادلة بسيطة ومعلومة للجميع، الضغط يولّد الانفجار، وحساب السرايا غير حساب القرايا .. وسيكون حتماً “جرد حساب”، وما أكثر العِـبَـر، وما أقلّ الاعتبار، ولكلّ مقامٍ مقال، ولكلّ أجلٍ كتاب.
*كاتب وروائي من سوريا – دمشق