“س+س” 2 .. العلاقات السورية السعودية .. عبد العزيز الشيباني

يكثر الحديث في الآونة الأخيرة على لسان من يريد الخير لسوريا وللمنطقة عن ضرورة عودة العلاقات السورية السعودية إلى طبيعتها ودورها الفاعل والمؤثر عربياً وعالمياً، وضرورة هذه العودة تستند إلى أسباب موضوعية كثيرة نذكر منها:
أن قطيعةً كاملة لم تكن يوماً بين السعودية وسورية، لكنها (ميديا) التشهير وحملة الأضاليل التي تعرضت لها سورية، وماترتب عليها من تراشق ومواقف تماهت مع المؤامرة وعبَّرت عن اصطفاف كل حسب سربه.
ما حصل في سورية عبر 12 عاماً لم يكن سهلاً، بل كان كثير الصعوبة على السوريين بالدرجة الأولى، ومَرَدُّ عتاب السوريين للسعودية عائدٌ بنسبة كبيرة الى أن هذه الدولة الشقيقة بحجمها الكبير وحضورها الفاعل والمؤثر مالت إلى جانب مجموعات سورية اعتبرت نفسها معارضة وتورطت ومارست العنف والإرهاب ضد أبناء بلدها، في حين كان المتوقع من دولة شقيقة بهذا الحضور الإقليمي والدولي أن تسهم بالتهدئة وتخفيف الأعباء التي رتبتها حربٌ ليست في صالح لا الدولة ولا المواطن.
“س + س” رمزٌ لمعادلة أطلقها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري تعبر عن أهمية العلاقة الجدية والتكاملية بين سوريا السعودية، وانعكست خيراً في لبنان تمت ترجمته على الأرض استقراراً لسنين طوال أهَّلته للدخول في مرحلةٍ من النضج مكَّنته من إعادة الحياة الى ربوعه قاطعاً طريق “الفدرلة” التي طالب بها البعض، وحسم أمر أن يكون لبنان وطناً بديلاً وأنه لكل أبنائه، حتى كانت عملية اغتيال الحريري التي خلقت تبايناً في الرأي ما بين سورية والسعودية بعد الرواية الامريكية الغربية للعملية وتوجيه الاتهام لسورية، ومع ذلك فشلت دسائس الأمريكي والإسرائيلي والغرب في إدانة سورية بدليل أن الاغتيال بكلكله ذهب الى غياهب النسيان.
ورغم ذلك عادت العلاقات السورية السعودية نابضةً في شرايين البلدين متغلبةً على صعوبات ومؤامرات كثيرة مصادرها عربية وإقليمية ودولية، وهذا يسجل لقيادة البلدين، وإدراك كلاً منهما لأهمية الآخر وضرورته لمواجهة ما يجيش في منطقة زاخرة بالتآمر والأطماع، وإذا كان التآمر على سورية في جانب منه غايته الاستفراد بلبنان بعيداً عن الشقيق التوأم السوري، فإن ذلك لم يتحقق.
وهناك أكثر من دولة عربية أو إقليمية استعرضت عضلاتها حتى بلغ الاستعراض أشده بعد سنوات الحرب الكونية علينا دون اعتبار لأخلاق أو قيم، والاعتبار الرئيس كان دوماً التعيُّش والتكسًّب، وللأسف وجهة هؤلاء أفراداً أم دولاً كانت باتجاه دول خليجية لكي يضمن هؤلاء مكاسبهم حيث لاقيم لديهم ولامبادئ تعلو على المال.
ومن الأسباب الأكثر أهمية في العلاقات السورية السعودية هو الدور السوري في تهدئة المنطقة التي كادت أن تصل الى حد مواجهات مباشرة مع ايران تحت عناوين نووية وسياسية ومذهبية ولأطماع غربية، ما فرض على دول الخليج دفع فواتير كثيرة ثمناً للسلاح، وأيضاً ثمناً لأصوات المحرضين، مقابل ذلك كانت سورية طرفاً فاعلاً في إطفاء الحرائق التي كانت ستودي بالجميع .
نجاح السوري في القيام بواجبه، وتجاوب الأطراف المعنية أزعج المُحرضِين، وأفلت من يدهم إمكانية الصيد والتكسب، خصوصاً أن الدولة العربية الرئيسة في دفع أثمان المواجهات (السعودية) تعاملت بمنتهى العقلانية في احتواء التحريض، وفي ذلك صفعة لكل الطامعين الذين تعددت مشاريعهم (الناتو العربي+إسرائيل)، وبالتأكيد إن السعودية لها الدور الأكبر في فرملة هذا المشروع حتى الآن، وهذا نضج يُحسب لها، كما هو مصلحة سعودية بالدرجة الاولى، لأن السعودية اليوم مختلفة عن السعودية في الأمس، هي الآن تنهج سبيلاً تنموياً على كل مستوى، وهذه رؤية الأمير محمد بن سلمان.
أثبتت مفاعيل هذه الرؤية نجاحات تمثلت في رضى الشعب السعودي عنها وتفاعله معها، ما يؤدي الى تحقيق رؤية 2030 الشابة المتماهية مع روح العصر المحفزة على أن تكون طرفاً فاعلاً ومؤثراً في تغيراته.
الدول والأفراد الذين لم يعجبهم التقارب السوري السعودي كشفوا عن وجوههم الحقيقية، فهؤلاء لايريدون لسورية خلاصاً من أزمتها، ولايريدون للسعودية تنميةً تعم مناحي الحياة جميعها، لذلك كَثُر في الأيام الأخيرة التصويب على سورية عبر إعادة اجترار اسطوانات التشويه والتضليل التي مورست عليها وعلى السوريين منذ ما قبل الأزمة 2011.
لهؤلاء نقول: إن أردتم الحقيقة الدامغة اقرأوا المشهد السوري في أصعب حالاته التي تمثلت في الزلزال، وكيف التف السوريون على بعضهم داخل الوطن وخارجه مسقطين بذلك كل دعوات التفرقة تحت أي تسمية كانت، سورية شرف كل شريف في هذا العصر وهي أكبر وأقوى بكثير من كيدكم وتحريضكم.
ومهما تأخر ذلك، ستعود معادلة “س+س” لتنعكس خيراً على الساحة السورية، وتتوسع ليشمل طيفها المنطقة برمتها.
وفي الختم نقول: إلى كل المحرضين باتجاه صراع عربي فارسي، أو مذهبي سني شيعي، سيخيب رجاؤكم ويفشل سعيكم لإن الحكماء في الأمة كُثر ويقومون بدورهم على أفضل وأكمل وجه.
وهنا لابد من مواصلة التهدئة وصولاً الى ترسيخ مفاهيمَ تنظم الاختلاف وتحصره في حدود تدرأ شرور المواجهات.
*كاتب وإعلامي سوري ..
*المقال يعبر عن رأي الكاتب ..