رأي

العقوبات الاقتصادية تكتيك جديد للحروب الامريكية حول العالم بقلم فائز حوالة

 

|| Midline-news || – الوسط – خاص:

لم يعد خافياً على احد بان الولايات المتحدة الامريكية التي خاضت وتخوض حروباً عسكرية ودبلوماسية واقتصادية  في مختلف انحاء العالم سواء كانت مباشرة ام بالوكالة والهدف منها جميعا منفردة او مجتمعة هو استمرار الهيمنة الامريكية ورغبتها في توسيع نفوذها وسيطرتها على جميع المفاصل الاقتصادية في العالم بهدف نهب ثروات الشعوب وتسخيرها خدمة لمصالحها سواء كانت السياسية او العسكرية او التوسعية , وامريكا لم تبخل على نفسها باستخدام العقوبات الاقتصادية الى جانب تسخير مجلس الامن الدولي وصندوق النقد الدولي ومحكمة الجنايات الدولية لتسسهيل مهامها واعطاء تصرفاتها الهمجية وغير القانونية نوعاً من الشرعية وانها تكافح وتناضل من اجل البشرية وانقاذها من الديكتاتورية لتنتشر الديموقراطية ” الامريكية ” والتي اضحت حلماً للشعوب بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم السياسية والدينية والعرقية والطائفية.

والعقوبات الاقتصادية الامريكية لاتتعدى كونها سلاحاً فعالاً الى درجة كبيرة بيد الساسة الامريكيين بسبب هيمنة الولايات المتحدة الامريكية على نظام مايسمى بالسويفت الذي تم انشاؤه لاهداف نبيلة تساعد من خلاله هذه المنظومة تسهيل العلاقات المصرفية بين البنوك المختلفة للعالم فتضمن سرعة التعاملات وشفافيتها وتتخلص من الغبن والغش في التبادلات التجارية , واستطاعت الولايات المتحدة الامريكية وبعل انعدام البديل لهذا النظام العالمي من تسخيره واستخدامه كأداة فعالة في الحروب الامريكية الاقتصادية التي تجعل عملية التبادل التجاري بين مكون معين سواء كان هذا المكون شخصاً معينا او دولة بعينها او شركة معينة ترغب الادارة الامريكية بشل حركتها الاقتصادية وتجميدها  وباقي دول العالم عبر بنوكها  مرفوضة  الامر الذي يؤدي الى انهيار هذا المكون اقتصادياً والتبعات الاخرى التي تترتب على ذلك .

وبالرغم من ان نظام السويفت العالمي والذي ظهر في نهاية الستينيات من القرن الماضي ودخل في الخدمة الفعلية والعملية في العام 1973 من القرن الماضي ايضاً فكان له من الايجابيات الكثيرة جداً والتي تعد ولاتحصى على الرغم من انقسام العالم في تلك الفترة الى معسكرين رأسمالي واشتراكي الا ان هذا النظام عمل بشكل جدي وفعلي في كلا المعسكرين , ولم تكن الولايات المتحدة الامريكية تستخدم هذا السلاح الا في حالات نادرة للغاية وتكون في معظم هذه الحالات مبررة وتحظى على اجماع عالمي وتأييد دولي وتمررها عبر مجلس الامن الدولي , كالعقوبات على ايران بعد سقوط الشاه والعقوبات على كوريا الشمالية , والعقوبات على اشخاص بعينهم متعلقة بتجارة المخدرات وتبييض الاموال , وبجانب ذلك لم تبخل الادارة الامريكية الى تمرير عقوبات يقرها ويفرضها الكونغرس الامريكي على دول بهدف تقويضها واخضاعها ومحاولة احداث تحول سياسي يخدم مصالحها في تلك البلدان كالعقوبات المفروضة على كوبا و السودان وسوريا وايران وكوريا الشمالية وروسيا وفنزويلا وغيرها من بلدان العالم والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية بحق الشركات العالمية سواء كانت على الاراضي الامريكية او اي قارة في العالم والتي تساعد في انشاء مشروع السيل الشمالي 2 لنقل الغاز الروسي الى المانيا  , ونجحت الولايات المتحدة الامريكية بفرض وتنفيذ هذه العقوبات الاقتصادية بحق هذه الدول لا وبحق اشخاص معينين من هذه الدول والسبب طبعاً يعود بالدرجة الاولى الى فقدان البديل العالمي لنظام السويفت الامريكي  وهيمنة الدولار الامريكي على العلاقات الاقتصادية بين مختلف دول العالم.

ولكن من الواضح جداً في المقابل بان الولايات المتحدة الامريكية وبعد هزائمها العسكرية على الارض في مختلف جبهات العالم التي فتحتها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكريين الرأسمالي والاشتراكي ومحاولتها فرض سلطتها المطلقة والوحيدة على العالم سواء كانت هذه السلطة عسكرية ام اقتصادية على حلفائها قبل اعدائها التي فرضت عليهم ” الحلفاء ” فرض عقوبات يمكن اعتبارها عقوبات امريكية غير مباشرة من قبل الدول الحلفاء على دول واشخاص بعينهم الذين لم يمتثلوا للرغبات الامريكية بان يكونوا تابعين سياسيين واقتصاديين وخادمين حقيقيين للسياسة الامريكية كالعقوبات التي فرضتها الاتحاد الاوربي على روسيا الاتحادية بذريعة الاحداث في اوكرانيا عودة شبه جزيرة القرم الى روسيا ووقوف روسيا الاتحادية الى جانب سورية في مكافحة الارهاب وعرقلة روسيا لخصخصة امريكا  لمجلس الامن الدولي  عبر استخدام روسيا لحق النقد الفيتو في مشاريع القرارات الدولية المقترحة سواء  من قبل الولايات المتحدة الامريكية او حلفائها فرنسا وبريطانيا .

ولكن هل من واقعية وجدية لهذه العقوبات ؟؟؟؟

لقد اثبتت التجارب العملية عدم فعالية هذه العقوبات بشكل عام لان الالتفاف على العقوبات امراً غاية في السهولة عبر اساليب مختلفة واسهلها في المقايضة اي بضاعة مقابل بضاعة او عبر دولة ثالثة اي ان يتم بيع وشراء ” تعاملات اقتصادية ” لدولة تم فرض العقوبات عليها عن طريق دولة اخرى خارج اطار العقوبات الاقتصادية وايصال تلك البضائع سواء عبر التهريب او عبر اتفاقيات اضافية بين تلك الدولتين بعيدا عن الدولار الامريكي او عن التحويلات النقدية كتصدير النفط الايراني على سبيل المثال الى الهند والصين واستلام الثمن بالذهب , ونرى ان الولايات المتحدة نفسها تخرق هذه العقوبات من اجل تقديم منافع معينة لاشخاص وهيئات لشراء ذممهم كموضوع النفط مقابل الغذاء الذي تم فرضه على العراق ابان حكم الرئيس العراقي صدام حسين , والاكثر اثارة في موضوع القوبات وخاصة العقوبات الامريكية غير المباشرة والتي كما اسلفنا تقوم من خلالها الولايات المتحدة باجبار الدول الحليفة على فرض عقوبات اقتصادية على دولة ثالثة ترغب الولايات المتحدة الامريكية بمعاقبتها كالعقوبات الاوربية الاقتصادية على روسيا الاتحادية والتي تم فرضها بنفس الذرائع الامريكية والتي اثبتت ان انعكاساتها السلبية ارتدت على دول الاتحاد الاوربي اكثر منها بكثير على روسيا الاتحادية لا بل كانت دافعاً قوياً لروسيا لتشجيع الانتاج الداخلي وتوطين الصناعات الاجنبية في الداخل الروسي ويمكن الاشارة هنا الى ان دول الاتحاد الاوربي حصدت خسائر تزيد عن ال 90 مليار يورا خلال سنة تقريبا من فرضها عقوباتها الاقتصادية على روسيا بضغط امريكي .

وبالرغم من كل الفوائد المؤقتة لاستخدام سلاح السويفت الامريكي وارتداداته الايجابية على البنوك الامريكية لان التجارة العالمية لم ولن تتوقف مع الدول التي يفرض عليها العقوبات بشكل غير مباشر طبعا الامر الذي يدر فوائد اضافية على البنوك الامريكية وخاصة عندما ترافق هذه العقوبات عبارة ” تجميد الاموال والاصول ” والتي تستخدمها البنوك الامريكية بكل تأكيد في استثمارات جانبية تدر عليها ارباحاً طائلة تصب في نهاية المطاف بتعزيز الاقتصاد الامريكي ورفد الميزانية الامريكية لاموال اضافية تخفف من ناحية خلال فترة فرض العقوبات عبء الديون الخارجية على الولايات المتحدة وتمنحها سيولة بدون مقابل لتوسيع استثماراتها الاضافية وسد عجز ميزانيتها .

ليبقى السؤال المهم الذي يطرح نفسه اليوم والذي يقلق من ناحية الشريحة الاكبر في العالم ومفاده …. الى متى تستطيع الولايات المتحدة الامريكية استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضد دول العالم وكياناتها المختلفة واشخاص معينيين من مختلف انحاء العالم ؟؟؟؟؟

الجواب هنا بسيط للغاية يكمن في ان الولايات المتحدة الامريكية كما اثبت التاريخ بانها خسرت  جميع الحروب التي خاضتها باستثاء الحرب على الهنود الحمر في الولايات المتحدة الامريكية نفسها لذلك فان خسارتها المحتومة في هذه الحرب الاقتصادية امراً لامفر منه وهي تعي تماماً هذه الحقيقة ولكنها تحاول استثمارها واللعب على حافة الهاوية الى ابعد الحدود فهي تعي تماماً بان التشابكات الاقتصادية التي انشأها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بما يسمى دول البريكس ودول الاتحاد السوفيتي السابق وغيرها من المجموعات السياسية والاقتصادية والتي وفي حال ازدياد الهمجية الامريكية في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية قد تلجأ وفي اية لحظة الى رفض التعاملات بالدولار الامريكي والعبور الى التبادلات الاقتصادية سواء بالعملة المحلية او بنظام المقايضة ” بضاعة – بضاعة ” وهذا ماشرعت به بعض دول هذه التحالفات , فعلى سبيل المثال فيما لو قررت دول البريكس فقط الاتجاه الى تعاملاتها التجارية بالعملات المحلية فان هيمنة الدولار ستفقد حوالي ال 43% من التعاملات الدولية فتصبح نعاملات هذه الدول فيما بينها خارج اطار الرقابة الامريكية والنفوذ الامريكي وامكانية فرض اية عقوبات على تلك الدول تصبح عديمة الجدوى والفائدة , وكذلك الامر بالنسبة للنظام البديل لنظام السويفت والذي انشأته كلاً من روسيا والصين فاذا ما تم طرحه في العالم ستتسابق معظم دول العالم لاستخدامه فقط لرغبتها في تحييد نفسها عن امكانية فرض عقوبات امريكية عليها .

ولكن يبدو الامر اكثر تأثيراً بكل الاحوال على تلك الدول التي رهنت اقتصادها ومصادر دخلها وصادراتها النفطية والغازية  على الدولار الامريكي وخاصة الدول الخليجية المصدرة للنفط والغاز والتي ربما ستصبح الدول المتصدرة في هيمنة السياسات الامريكية على اقتصادياتها والدول الرئيسة في دعم الاقتصاد الامريكي وسد عجز ميزانيته وابقاء حيزاً  بسيطا فقط ليتنفس فيه نظام السويفت الامريكي وكانه في غرفة الانعاش بين الموت والحياة .

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك