الشعب يريد: تغيير الخطاب .. بشار جرار – واشنطن

كتبت عليّ ظروف مهنية أن أكون منخرطاً -إعلامياً فقط- في التعامل مع ما سمي زوراً وبهتاناً بـ”الربيع العربي”، أثبتت الأيام حقيقته، وسقط كثير من الأقنعة وأوراق التوت والتين أيضا عن سوءات رعاته وأدواته.
أذكر تماماً هدير الهتاف الذي دُبِّر بليل: الشعب يريد .. وكل مرافقاته مما وصف بالتنسيقيات وجمع -ما جمعت خيراً قط! لغة الهتاف كانت العربية الفصحى، حتى في دول لا تتحدث إلا بلسانها المحكي أو لغاتها الأم، أو بألسنة مستعمريها القدامى. اللحن أيضا كان موحداً، كان في الهتافات لحن موحد، وكأنه مايسترو واحد، متعددة الجوقات..
وتفننوا بتغيير الشعارات: سلميّة، الشعب يريد تغيير النظام، فالشعب يريد إسقاط النظام، وبين هذه وتلك، يخرج سيء الذكر -في أمريكا أيضاً- الرئيس الأمريكي الأسبق باراك حسين أوباما من على منبر البيت الأبيض ليقول: على فلان الرحيل وأيام علنتان معدودة .. يوماً ما ستكشف الصحافة الحرة حقاً، حقيقة ما جرى، ويوماً ما سيتم الإفراج عن وثائق أو اختراقها أو تسريبها على شاكلة ويكيليكس فـ”ينكشف الطابق” بمعنى كشف المستور، وصلت الأمور حد طرح مسألة الإعفاء عن جوليان أسانج مؤسس ويكيليكس، وحتى المتعاقد السابق مع وكالة الأمن الوطني “إن إس إيه” إدوارد سنودين الذي فرّ إلى روسيا وصار أحد مواطنيها.
لحين حلول هذا اليوم، وقد بدأت بشائره بملفات تويتر بإدارة إيلون ماسك الذي أعلن قبل أيام أنه “لا ينوي الانتحار” في حال تم “إبستين” ه (هاء مرفوعة) بمعنى الزعم بأنه (انتحر) بضم التاء. وجيفري إبستين تم العثور على جثته “منتحراً” في سجنه بعد تفجر فضيحة جنسية عالمية أطاحت رؤوساً كبيرة ليس المقام لذكرها.
حتى يبدأ ربيعنا الحقيقي بعد كل هذا القحل والسنين العجاف الطويلة، لا بد من تغيير الخطاب قبل تغيير ما نريد حقاً تغييره. والأولى، تغيير ما في أنفسنا قبل تغيير ما هو ومن هم حولنا، العيب في الأساس، فينا .. ولن تقوم لنا قائمة، ما لم نغير خطابنا بكثير من مفرداته والأهم نبرته..
الانفعالية مهما كانت نظيفة بريئة، قد تقتل صاحبها قبل تحقيق أهدافها، المطلوب أبعد ما يكون عن الهتاف والصراخ والصياح، المطلوب العمل وبهدوء.. بهدوووء.
وفقاً للإيمان المسيحي، من أهم سمات وثمار الروح القدس المحبة والأناة .. علينا أن نحب أنفسنا والآخرين أيضاً، حتى يبارك الله في ثمر عملنا فنتغير ونغير للأفضل، غير ذلك ما هي إلا مشاعر غضب وسخط أو مجرد “فشة غل”!.
اهمسوا معي من فضلكم، الشعب يريد: تغيير الخطاب..
إقرأ أيضاَ .. نعيق صفير التسلل! ..
إقرأ أيضاً .. عِبَر قطر ..
*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية ..
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..