عوشة “فتاة العرب” … لفتت شيوخ الإمارات بشعرها وألهمت فتياتها

استحقت عوشة “فتاة العرب” … لقبها بفضل منجزها الإبداعي وكونها رائدة الشعر النسائي الشعبي في الإمارات. وبات لقبها حلماً وطموحاً لشاعرات وطنها.. فالشاعرة الكبيرة عوشة خليفة السويدي، ليست نسيج وحدها في الشعر فقط، بل أيضاً في تفاصيل مسيرتها الأدبية، التي خاضتها منذ يفاعة سنها في بيئة قبلية محافظة، فتحصنت بذلك، مما مدّها بالدعم والمساندة. لهذا حظت بكل تقدير وإكبار من قريناتها ومواطني بلدها على حدّ سواء.
.

“رائدة الشعر”
تعلمت عوشة “فتاة العرب” … على يد أسرتها، حيث ترعرعت في بيت علم ودين، وشقيقها رجل سياسة كبير.. وفي سن المراهقة بدأت كتابة الشعر. ونظمت قصائد موزونة في كل ما كان يجول ببال الفتاة الصغيرة من أحلام وأفكار. ومع مرور السنوات وقبل قيام دولة الاتحاد، كانت تكتب قصائدها باسم “فتاة الخليج” فأنتجت عشرات القصائد في شتّى المجالات مثل: الغزل والمديح والرثاء والإسلاميات والنقد الاجتماعي. ثم بعد قيام دولة الإمارات وانتشار الصحف والمطبوعات، اتجهت لنشر قصائدها، فلفتت إلى شعرها شيوخ الإمارات وكبار الشعراء، فعملوا على تشجيعها ودعمها كأول شاعرة، وقاموا بمحاكاتها في مساجلات شهيرة. في طليعتهم: (الشيخ زايد بن سلطان- صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد المكتوم- أحمد الكندي- وعمير بن راشد الهاجري- محمد العويس- حمد خليفة بوشهاب). وغيرهم الكثير.. وتغنّى بقصائدها كثير من الفنانين أمثال (جابر جاسم، وعلي بن روغة، وميحد حمد).. وغيرهم.
ولعل من أجمل مشاكاة -للمغفور له- الشيخ زايد بن سلطان، قوله لها:
يا ركن عود الهوى وفنه…شاقني جيلك بالوصافي
طيف رويا لي امشجنه… شط بك والحقك لتلافي
ومن رائعة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قوله لها:
فتاة العرب وانتو لها خير عنوان…ومن غيركم بقصد معاني نشدها
وإنما نسوق مشاكاتهما لها، لنعكس المكانة المرموقة التي كانت تتمتع بها “فتاة الخليج” التي شرفّها سموه بلقب “فتاة العرب”.
.

“مشاكاة ومساجلات”
انطلقت بعدها في المطبوعات الإماراتية والخليجية مساجلاتها الشعرية وقصائدها، ومشاكاة متبادلة بينها وكبار الشعراء. وكما هو معلوم فإن قوام فن المشاكاة الشعري، ليس القصائد الغزلية، بل تناقل الشكوى ولواعج الشوق والفراق، أو التطرق إلى خلافات وأوضاع اجتماعية وإنسانية، لطلب المعونة أو النصيحة.
و..في منتصف تسعينيات القرن الماضي، قيض لي مقابلة الشاعرة عوشة “فتاة العرب” ومحاورتها (نشر الحوار في مجلة قطوف) واطلعت في دارتها على مجموعة كبيرة من المقالات والدراسات والكتب حول تجربتها الشعرية الثرية. ومنجزها الإبداعي الكبير. فهي لم تترك مجالاً أو تفصيلاً في الحياة إلاّ وتطرقت إليه في قصائدها، التي اتصفت عموماً بالمفردة الموغلة في محليتها، وجمال المعاني وتوظيفها، وسحر الصورة الشعرية الأخّاذة، وسلالة وجمال اللحن من خلال القوافي والأوزان والبحور التي نظمت عليها.
.

“أستاذة وتلميذات”
ثمة أمر لم يتطرق إليه النقّاد كثيراً بخصوص عوشة “فتاة العرب” .. إذ لم تكن فقط رائدة الشعر الشعبي- النبطي في الإمارات والخليج العربي. ولم تكن فقط صاحبة تجربة شعرية مهمة.
إنها الأستاذة التي خرّجت شاعرات أستاذات لا تلميذات! وهو ربما أعلى قيمة في تجربتها الشعرية، فلم تكتفي بأن تكون ملهمة للفتيات الشاعرات في أجيال لحقتها.. بحيث تشجعن وحذون حذوها. بل ساندت ودعمت حالات شعرية وقادتهن إلى أن يصبحن صاحبات تجارب لا مجرد حالات -(بالمثل تطّلع إليها الشعراء، المخضرم منهم والشاب)- فانتشر نظم الشعر الشعبي بين نساء الإمارات وصولاً إلى الشيخات اللواتي كتبن جميعاً في البداية بأسماء مستعارة، سرعان ما بدأت ظاهرة الأسماء المستعارة بالتلاشي، خاصة أن فتاة. العرب، كانت تنشر قصائدها باسمها الشخصي عوشة خليفة السويدي.
نقف هنا مع قصيدة “روس الشرايف” إحدى أشهر قصائد عوشة “فتاة العرب” :
برقا روس الشّرايف…ما بنزل للوطاه
حيد الطّويل النّايف…له في النّظرة حلاه
راعي الشّيل الرّهايف…لي لي جدّد غلاه
لي شوفه بالكلايف… عيناوي منتهاه
ريمٍ يرعي الجفايف…شربك قلبي هواه
عين العنود الخايف…لي لي جدد غلاه
يا خشيف الريّم لمفلّي…إنت لي للصّبّ راحاته
شوفني م الحال منسلّي…كالقلم تبريه مبراته
اليوم.. نجد أن هناك عشرات الشاعرات الإماراتيات في مجال الشعر الشعبي، ممن حققن حضوراً مهماً، لا يمكن إغفال أن نواته كانت تجربة عوشة “فتاة العرب”، التي استمرت لعقود في عالم الشعر والإبداع، وتركت بعد وفاتها عدة دواوين مسموعة ومقروءة، وأرشيفاً كبيراً رفد الأدب الشعبي، لتستحق عقب ذلك المنجز الإبداعي الثقافي الكبير جوائز عدة.. وإشهار متحف، ثم جائزة يحملان اسمها، وصولاً إلى احتفاء محرك البحث “جوجل” قبل فترة بذكرى وفاتها (1920- 2018).
رحم الله الشاعرة الإماراتية عوشة “فتاة العرب” .