العناوين الرئيسيةتكنولوجيا وعلوم
الثقوب السوداء .. ثقوبٌ دودية؟! (ترجمة حيّان الغربي)

الثقوب السوداء ثقوبٌ دودية؟
هل نستطيع استخدام الثقوب السوداء للوصول إلى حيث نريد في هذا الكون؟ لا يتوانى المستكشفون، في أعمال الخيال العلمي، عن الانطلاق بصورةٍ روتينية عبر الثقوب الدودية المستحدثة في نسيج الزمكان والمتصلة من خلال ثقبين أسودين. والثقب الأسود هو جرم سماوي لا يمكن لشيء أن يفلت من براثن جاذبيته، حتى الضوء نفسه. ولكن هل تشكّل الثقوب السوداء معابر إلى الثقوب الدودية؟ وهل تشبه الأخيرة الثقوب الدودية في مسلسل “ستار تريك”؟
الجواب باختصار هو لا ربما، على الرغم من أن الحسابات الرياضية الكونية لا تستبعد هذا الشبه بصورةٍ نهائية. والمتفردة هي الشيء الواحد المتواجد في مركز الثقب الأسود بحد ذاته، وهي نقطة لامتناهية الكثافة. بيد أن الثقب الأسود، من الناحية النظرية، قد يقترن بتوءمٍ معاكس يدعى بالثقب الأبيض، وهكذا يتشكّل الثقب الدودي.
بأية حال، لا يجمع أي شبه بين هذه الثقوب الدودية النظرية وبين نظيرتها في الخيال العلمي، فمن المتوقع أن تكون الثقوب الدودية عديمة الاستقرار لدرجة لا تصدق، إذ إنها ستتداعى فور دخول جزيء واحد من المادة إليها.
يتوقع بعض الفيزيائيين أن الثقب الدودي قد يغدو أكثر استقراراً إذا ما تشكّل من ثقبٍ أسود دوار، بيد أن فهمنا لما يحدث في هذا السيناريو ضبابي في أحسن الأحوال. جسور آينشتاين- روزين لم يكتشف العلماء الثقوب السوداء عن طريق الرصد للفضائي وإنما من خلال معادلات نظرية النسبية العامة، فقد أثبتت تلك المعادلات أنك إذا ما ضغطت قدراً كافياً من المادة إلى حجمٍ صغيرٍ بما يكفي، عندئذٍ ستكتسح الجاذبية جميع القوى الأخرى وتواصل تقليص المادة إلى أن تصبح نقطةً لامتناهية في الصغر تعرف بـ: “المتفرّدة”. يمنحك الثقب الأسود رحلةً في اتجاهٍ واحد، فبمجرد أن تجتاز حدوده، أو ما يعرف بـ: “أفق الحدث”، لن يعود بمقدورك الإفلات. وبينما اعتبرت الثقوب السوداء ذات يومٍ خدعةً ناجمةً عن معادلات آينشتاين. ولكن في نهاية المطاف، ثبت وجود الثقوب السوداء في الكون بالفعل من خلال رصد الفضاء.
تجدر الإشارة إلى أن تلك المعادلات نفسها تقودنا إلى استخلاص وجود جسم معاكس تماماً للثقب الأسود، أي الثقب الأبيض الذي يحتوي أيضاً على متفردةٍ في مركزه ناهيك عن أن لديه أيضاً أفق حدث يحيط به، ولكن عوضاً عن السقوط فيه واستحالة الإفلات منه، يستحيل على المرء الوصول إلى أفق حدث الثقب الأبيض من الخارج لأنه لا ينفك يقذف بمحتوياته إلى الفضاء في الخارج بسرعة تفوق سرعة الضوء. ويفضي الوصل بين المتفردتين المقترنتين للثقب الأسود والثقب الأبيض إلى تشكيل أبسط أنواع الثقب الدودي، الذي يعرف أيضاً بـ: “جسر آينشتاين- روزين”. فائدة محدودة لسوء الحظ، لا فائدة كبيرة ترتجى من جسور آينشتاين- روزين لقطع مسافات شاسعة في الكون أو للسفر عبر الزمن، فمن ناحيةٍ أولى، يقبع المدخل إلى الثقب الدودي خلف أفق الحدث، وبما أنه يستحيل على المرء الدخول من جهة الثقب الأبيض، إذاً فلا بد له من السقوط في ثقب أسود ليتمكن من الدخول، ولكن بمجرّد أن يعبر أفق حدث الثقب الأسود سيستحيل عليه الإفلات ثانيةً، مما يعني أنك إذا دخلت في الثقب الدودي فستبقى عالقاً هناك إلى الأبد. ومن ناحيةٍ ثانية، تتمثّل المشكلة الثانية فيما يخص جسور آينشتاين- روزين في استقرارها، فعلى حدّ تعبير الفيزيائي في جامعة ولاية أوهايو، سمير ماثور: “تعدّ الجسور نوعاً من الثقوب الدودية، غير أنها عابرة فهي تختفي بلمح البصر قبل أن يتمكن أي شيء من استخدامها للمرور من جانب إلى آخر. وبهذا المعنى، لن نستفيد من هذه الجسور كثقوبٍ دودية حقاً إذ ليس بمقدورنا أن نعبر من خلالها”.
يعود عدم الاستقرار إلى أن استحداث الثقب الدودي يتطلب ترتيباً عالي الدقة للمادة. وبالتالي، إذا ما تسبب أي شيء (وإن كان حزمة مفردةٌ من الضوء أو فوتون واحد حتى) في خلخلة ذلك التوازن الحساس، عندئذٍ سيتداعى الثقب الدودي بشكل فوري، إذ إنه سيمزّق نفسه إرباً مثل عصابة مطاطية تم شدها بإفراط كبير، وبسرعة أكبر من سرعة الضوء، مما سيحول دون مرور أي شيء عبر الثقب. علاوةً على ذلك، يعتقد الفيزيائيون على نطاقٍ واسع بأن كوننا لا يحتوي على ثقوبٍ بيضاء، وتتميز الأخيرة بعدم استقرارها لدرجة لا تصدق بخلاف ما هو عليه الحال بالنسبة للثقوب السوداء. فتبعاً للمعادلات الرياضية، بمجرد أن يسقط فيها أي مقدارٍ من المادة مهما صغر، ستنفجر بشكلٍ فوري. لذلك، حتى وإن تشكّلت الثقوب البيضاء بشكلٍ طبيعي، فهي لن تدوم طويلاً. ويستخلص من الشكوك التي تكتنف وجود الثقوب البيضاء، وما تتسم به جسور آينشتاين- روزين من عدم الاستقرار، وعدم القدرة على الاستفادة منها نسبياً أنه في حال وجود الثقوب الدودية، فمن المحتمل ألا تكون هي جسور آينشتاين- روزين. متفرّدة دوّارة قد تكون ثمة طريقةٌ لتشكيل ثقبٍ دودي من نوع أكثر تعقيداً من الثقوب السوداء، مع أخذ خاصية دورانها في الحسبان.
تتسم جميع الثقوب السوداء بخاصية الدوران، غير أن عالم الرياضيات النيوزلندي، روي كير، كان أول من حلّ معادلات الثقوب السوداء الدوّارة. تؤدي القوى النابذة المركزية القصوى في مركز الثقب الأسود الدوار إلى نثر المتفردة المتناهية في الصغر لتصبح حلقة تصلح لأن تصبح مدخلاً إلى الثقب الدودي. غير أن مشكلة الاستقرار تطلّ برأسها من جديد. يقول ماثور: “متفردة ثقب كير محاطةٌ بـ: “أفق داخلي”، وهو بدوره محاطٌ بـ: “أفق خارجي”. ويعتقد الناس أن الأفق الداخلي مفهوم غير مستقر، وأن المقادير الصغيرة من المادة الساقطة إلى الداخل سوف تغير المكان داخل الأفق بشكلٍ كامل، مما سيعدّل من المتفردة بالتالي. وليست النتيجة النهائية لانعدام الاستقرار هذا واضحةً”.
تتسم جميع الثقوب السوداء بخاصية الدوران، غير أن عالم الرياضيات النيوزلندي، روي كير، كان أول من حلّ معادلات الثقوب السوداء الدوّارة. تؤدي القوى النابذة المركزية القصوى في مركز الثقب الأسود الدوار إلى نثر المتفردة المتناهية في الصغر لتصبح حلقة تصلح لأن تصبح مدخلاً إلى الثقب الدودي. غير أن مشكلة الاستقرار تطلّ برأسها من جديد. يقول ماثور: “متفردة ثقب كير محاطةٌ بـ: “أفق داخلي”، وهو بدوره محاطٌ بـ: “أفق خارجي”. ويعتقد الناس أن الأفق الداخلي مفهوم غير مستقر، وأن المقادير الصغيرة من المادة الساقطة إلى الداخل سوف تغير المكان داخل الأفق بشكلٍ كامل، مما سيعدّل من المتفردة بالتالي. وليست النتيجة النهائية لانعدام الاستقرار هذا واضحةً”.
تتمثّل المشكلة في أنه إذا سقطت المادة نحو المتفردة الحلقة، عندئذٍ ستواجه تأثيرين متنافسين: القوة الهائلة لسحب الجاذبية الخاصة بالمتفردة نفسها، وقوة الطرد المركزي القصوى للدوران عند مركز الثقب الأسود والتي سيكون تأثيرها في الاتجاه المعاكس. وكما يمكن لكم أن تتخيلوا، ليس هذا بالوضع المريح، ويرجح أن تسارع الأمور إلى اتخاذ مسارٍ مجنون، لا بل إن الوضع على قدرٍ من انعدام الاستقرار إلى درجةٍ قد تحول دون تشكّل المتفردة. وفي هذه الحالة، يعتقد الكثير من الفيزيائيين بأن مفهوم المتفردة الحلقة من الثقب الأسود الدوار سيخلي مكانه لفكرة أكثر صلابةً بمجرد أن يتطوّر فهمنا لهذه النواحي.
(بول شاتر- لايف ساينس)
.
*شاعر ومترجم – سوريا
-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews