التنمية .. وقرانا البائسة ! .. هني الحمدان

صعبة هذه الحياة ، أيامها صارت كئيبة وذات رتابة مملّة، الناس مثقلون بالأعباء والهموم ، كل شيء تغيّر، حتى النفوس، فهل ستبقى الحال هكذا سائرة بنا نحو التدهور، وكيف السبيل للخروج؟.
الواقع صعب وذو مرارة، ويحتاج الكثير، ليس النوايا فقط ، بل يحتاج الجهود و إبداع أدوات جديد، لعلّ في ذلك التماس طريق نجاة، أو ممر ربما يقود إلى قناة أرحب.
في مسعى لتنشيط الاقتصاد وعوامل نموه، اتجهت الحكومة السورية والإدارات المختصة نحو تشجيع المشروعات الصغيرة، لما لها من أهمية في التنويع الاقتصادي وتسريع وتيرة النشاط التجاري والصناعي، وفي تنمية وبناء الموارد البشرية المحلية، وتم وضع سيناريوهات كي تنطلق هذه المشاريع، ووضعت الحكومة حزماً متكاملة من الخدمات التمويلية والحوافز الضريبية وتيسير الإجراءات لتشجيع الشباب على إقامة المشاريع الصغيرة والابتكارية أيضاً بشكل خاص، مع إمكانيات منح مزايا وتسهيلات على صعد تقديم المساعدات الفنية والمالية للراغبين، مع استقطاب المنتج التسويقي.
الهدف كان سامياً، ومتناسقاً مع الظروف الصعبة، وجاء من باب إطلاق الطاقات الكامنة عند المواطنين، وتمكينهم ليكونوا قوة دافعة، من خلال العمل على إنشاء مشاريع ذات نفع وعائد اقتصادي، ولكن ماذا كانت النتيجة يا ترى .؟، هل كان هذا الخيار جيداً والفائدة محققة ..؟.
لم يأت هذا الخيار التنموي بتلك الأهداف المرسومة، لا من جهة الأفراد، ولا من جهات مؤسسات القطاع الخاص، ويعتقد البعض من المهتمين أن هناك شبه عدم قناعة عند الأفراد بنجاعة المشاريع، بسبب تعقيدات وإجراءات الإدارات المشرفة والمعنية بتسهيل مستلزمات الدعم والإقراض، وحتى تقديم المساعدات الفنية وجدواها، أي هناك سلسلة طويلة من التعقيدات، وفي قسم منها تحتاج إلى زمن طويل، الأمر الذي لم يسهل في إيجاد بيئة مشجعة للارتقاء والتطور بالمشروعات الصغيرة، على عكس ما ذهبت به الحكومة بقانون الاستثمار وخصّته بالعديد من الميزات والتسهيلات، صحيح أنه تم منح الموافقات الاستثمارية لمشاريع مهمة، لكن إيقاع وضعها في سكّة الإنتاج ربما يحتاج لسنوات.
لسنا بوارد تعداد الميزات التي تضمّنها قانون الاستثما، لكن المشروعات الصغيرة لم تنل مزايا وتسهيلات تجعلها أكثر استقطاباً وتشجيعاً لانطلاقة متقدمة وحصول تلك الطفرات، بل شابتها بعض الشوائب والمعوقات التي أثّرت وأبطأت من وتائر سيرها ، وربما شلّتها في بعض الأماكن ..!
لم نسمع تلك “القرقعات” في قرانا، ولم نشاهد إقامة أي من مشروعات صغيرة، ولو على صعيد شراء بقرة وسواها.
أحاديث رسمية كثيرة، ونتائج مخيّبة للآمال، كل يوم يذهب سكان القرى والبلدات إلى أراضيهم وبساتينهم بذات الوجوه التي تشبه ملابسهم، والتي لا تبتسم ولا تتبدّل، وزادت الظلمة جالبة معها وحشة الغلاء وقلة الحيلة وفقر الحال، لدرجة أنهم باتوا مجبرين على ترك فلاحة وزراعة المساحات الصغيرة ..!
لا نعيد القول: إن المشروعات الصغيرة إحدى أهم استراتيجيات التنمية للتخفيف من شدة الفقر، وحسب تجارب بعض الدول جاءت بنتائج إيجابية، إذ أثبتت جدارة في معالجة الفقر والبطالة وإيجاد توازنات في إنفاق الأسر، ولضمان سير وتنشيط إقامة المشروعات يجب العمل على تهيئة أوسع لبيئة عمل الأفراد وتسهيل بعض المقومات، ونشر وتشجيع ثقافة الإبداع والمبادرة وريادة الأعمال، وتنسيق كل الجهود المعنية لتطوير المشاريع والمنشآت.
حان الوقت للصحوة الجماعية، وخاصة في بلدنا، ومن قبل أبنائه الغيورين عليه، ومؤسساته صاحبة القرار، وتوسيع دائرة النقاش وصولاً إلى اتخاذ قرارات أكثر سهولة وتشجيعاً لانطلاقة متقدّمة تجاه حصول قفزة في مشاريع الكلّ يترقب أي فائدة لها، فالرهان كبير على التطور والتجديد في الأفكار وتقديم الخدمات الأسرع والأفضل، ويبقى الأمل دوماً بغد أجمل هو وقود الحياة.
إقرأ أيضاً .. أرباب “الأفرولات” الزرقاء ! ..
إقرأ أيضاً .. بعيداً عن خطاب “الوجهين” ..
*إعلامي – رئيس تحرير صحيفة تشرين السورية سابقاً
المقال يعبر عن رأي الكاتب