رأي

“نداء الأنفاس الأخيرة” .. غسان أديب المعلم ..

 

وكما هو متوقّع، أضحى التقارب أو الحوار أو التلاقي السوريّ التركيّ قريباً جدّاً، وكما هو متوقّعٌ أيضاً، فأردوغان وبحسب المصفّقين المُطبّلين عاد زاحفاً راكعاً بعد هزيمةٍ نكراء، وكما كنّا نتوقّع وما نزال، بأنّ كلّ هذا التقارب ماهو إلّا فصلٌ مكرّر لمسرحيّةٍ هزليّةٍ بائسة.

وأنّ السلجوقيّ على درايةٍ ومُساهمٍ بأوضاع البلاد، وينتظر الوقت المناسب لتنفيذ المآرب بغضّ النظر عن انتخاباته الداخليّة وأسماء الناجحين، فالمطامع والأهداف أكبر بكثير ممّا تعزفه الأبواق وترسمه أقلام المأجورين من لوحة انتصارٍ جميلة.

فأردوغان ومسؤوليه تكلّموا مراراً وتكراراً عن مسألة تقسيم بلادنا، وأنّ موقفهم ضدّ التقسيم، وحتّى أنهم ذهبوا بعيداً في تصريحاتهم ضدّ حليفهم الأكبر أمريكا، بأنّها داعمة للإرهاب وتساهم أكثر في نشر الفوضى والأوضاع الصعبة.

لكن نظرة تاريخيّة واحدة وصغيرة، تكشف النوايا التركيّة وغيرها بأنّ الجميع متّفق على سوريا الضعيفة المُقسّمة، وأن ظاهر أقوالهم لا ينطبق مع باطن أفعالهم، والنتائج ظاهرة حيّةٌ تشهد، فبينما تستعدّ دمشق لاستقبال الوفود التركيّة من أحزابٍ مختلفة، تستقبل في ذات الحين مرغمةً سهام وخناجر حلفاء الأتراك، شرقاً حليفها الأكبر أمريكا، وغرباً وجنوباً الكيان الصهيونيّ الذي أحرق المراحل، وأعاد العلاقات الكاملة مع تركيا، وبذات الوقت أحرق مصياف وماحولها، في نيّة مُبطنةٍ للجميع بالحثّ والمساعدة والمُساهمة على ضرب العمق أكثر، وصولاً للفوضى الخلّاقة، وإعادة إنتاج الشعوب على نحوٍ يتماهى مع أطماع الجميع بخلق مجتمعٍ راكعٍ ذليل لا قضيّة له أكثر من تأمين رغيف الخبز.

وحرائق اليوم، وكما هو ظاهر في جميع الهجمات، أنّ خطّها البيانيّ في تصاعدٍ وتسارع، وأن الهدف إحراق سوريا بأكملها ولا يقتصر الأمر على مصيافها، بل وصلت النيران استباقاً إلى الشرق، بحجّة تواجد الحليف الإيرانيّ، وهاهو الغرب يشتعل، والشمال في تأهّب.

أمّا في قلب سوريانا فحكايةٌ أخرى من الضياع والتشرذم، ويكفي لأيّ امرىٍْ حياديّ، النظر في وجوه الناس في الداخل السوريّ ليستدرك حجم البؤس واليأس والضَنَك على مُحيّا الوجوه، ويُدرك حجم الشعور بالخذلان لدى هذا الشعب، في حين هلهلة سُلطاته وأبواقها بالانتصارات العظيمة على الأعداء وهزيمتهم ورضوخهم لشروطها لا تتوقف.

والحقيقة عبادة، والحقيقة التي طالما كابرنا عليها لا تحجب شمسها غرابيل الانتصارات الوهمية .. نحن مهزومون شرّ هزيمة، وممزّقون شرّ تمزيق، الحقيقة أنّ غالبية الشعب لم ينم ليلة البارحة من جرّاء لظى النار التي أحرق لهيبها فؤاده.

عن أيّ انتصارٍ تتحدّثون؟..

وما هو الانتصار الذي حقّقناه ونعيشه؟..

وأيّ انتصارٍ هو ذلك النصر الذي يُحسب للسلطة بعيداً عن حسابات الشعب؟..

حاولت كثيراً أن أفنّد أوضاع وأحداث الليلة المأساويّة، وآثرت الابتعاد قدر الإمكان عن مفردات جلد الذات، أو المُصطلحات التي تحمل الحزن، لكنّه الحبر المُتمرّد، والحزن المتمدّد على أجندات السوريّين!.

لا انتصار حقّاً إن لم يكن الحامل الحقيقيّ له الشعب، ولن تٌجدي الاجتماعات والمُصالحات الخلّبيّة نفعاً مالم تتقاطع مع رغبات وتطلّعات الشعب.

والأهم، ما من ردّ للعداون بدون الشعب، والشعب يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب الفقر والعوز، وكفانا كظماً للغيظ وابتعاداً عن الحقيقة..

الواجب فرض عين على كلّ سوريّ أن ينادي ويصرخ ويستغيث بأنّ سوريا تحترق فعلاً كما شعبها، وأنّ لا ملاذ أو مناص من مشروعٍ وطنيّ جامع يوحّد الشعب بأكمله ويُحصّن الجبهة الداخليّة، فالصمود والتصدّي له مقوّمات وحوامل وعوامل متعدّدة، وطريق النصر لا مسار له دون القلب السليم..

تريدون النصر ؟.. ها هو ذا، مدّوا الأيادي إلى الشعب وحاوروه، انحنوا أمام صبره وجلَده وتضحياته، اسألوه عن الحلول وكفاكم اعتماد الأغبياء المُصفّقين عن سابق إصرارٍ وتعمّد، وسترون حينها المعجزات بين ليلةٍ وضحاها..

غير ذلك، فليستعد الجميع للحريق، ولنقرأ الفاتحة على أوطاننا ..

 

*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

 

صفحتنا على فيس بوك
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى