العناوين الرئيسيةكشكول الوسط

 التشكيلي خالد حجار: أجد في الفن متنفساً يزيح بعض الألم ويعطي قسطاً من الأمل

تنتظره باريس في مطلع 2020 ليشارك في مسابقة فنية ومعرض تشكيلي

 

|| Midline-news || – الوسط …

حوار : روعة يونس

 

من السهل محاورة فنان تشكيلي، تتابع تجربته، وتحضر معارضه، وتطلع على إبداعاته الفنية في وسائل التواصل الاجتماعي والمراكز الثقافية.. لكنه من الصعب أن تحاور فناناً يغمس ريشته بدم قلبه ويرسم، يدوّن يوميات الإنسان من خلال -غالباً- ملامح وجه لا أكثر. ويشدّ روحه أرضاً تنبت في تربتها أفكار الإنسان وقضاياه من ظلم وقهر وذل الحرب وما يليها من فقد وأحزان وآلام.
من الصعب محاورة خالد حجار التشكيلي الحَزين الحَسين، والمبدع المقنع، المعمّد بهمّ الآخر، المعتمد على تقنيات الروح لا الأصابع، الواثق من كون الفن بوابة الأبدية، والموثق لتاريخ الإنسان المعاصر بريشة وبرها مزيج يقين وإحساس. فعسى لا يكون من الصعب أن نحصل على لوحات الوجوه السعيدة في معرض خالد حجار المقبل في فرنسا الذي يتوج به سلسلة من المعارض الفردية المثيرة للاهتمام والإعجاب.

 

الرسم على الجدران
-ما قبل المدرسة الابتدائية ودروس التربية الفنية، هل كانت مواهبك وميولك الفطرية تمضي باتجاه الفن؟ أم أنك كمعظم الأطفال اكتشفت موهبة الرسم خلال المدرسة؟

=قبل مرحلة المدرسة، كانت الأوراق والجدران والتراب وكل ما هو متاح لي في طفولتي؛ نافذة للتعبير عن بعض الفن الفطري العفوي لدي.  ومن ثم كانت المدرسة من خلال النشاطات الفنية التي تقوم بها على اختلاف أنواعها من معارض أو دروس تربية فنية وغيرها.. إلى أن جاءت مرحلة الدراسة الجامعة وتحديداً دخولي كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وكانت لي بحر أكاديمي غصت وتعمقت فيه أكاديمياً حتى تخرجت عام ١٩٩٥.

 

في مقابلة الوجع
– تجربتك الفنية بمجملها هي نصوص لونية تحكي أوجاع الإنسان. واسمح بداية بهذا السؤال الذي قد تراه غريباً: كيف تحتمل أن تظل مسمراً أمام لوحاتك “الموجعة” لساعات وربما أيام؟

=بخصوص تجربتي الفنية والإجماع على ما تحمله من أوجاع، وكيف أستطيع تحمل هذا الألم لساعات وربما لأيام وأسابيع أمام خلق لوحتي وشخوصها المقهورة والمترقبة، فأقول: نحن نعيش مع الألم الذي يسكن روحنا لسنوات وربما لعمر كامل ونحن نتعايش معه ونحمله كجنين يكبر داخلنا إلى أن تأتي ساعة الولادة، وأقصد بالولادة ولادة وخلق اللوحة التي تخرج من قلب الروح كي تنقل ذلك الألم من الداخل إلى الفضاء الخارجي من خلال نافذة هي سطح هذه اللوحة على اختلاف موادها. لذا تكون ساعات وأسابيع الرسم لخلق اللوحة هي المتنفس الذي من خلاله نزيح بعض الألم الداخلي ونأخذ قسطاً من الأمل مكانه.

 

الروح لغة مشتركة
-غالباً، إن لم يكن دائماً. تغيب الطبيعة، والكائنات الحية، والجماد، وكل ما حول الإنسان، ليظهر وحده في لوحتك. ألا يمكن أن يعبّر أي كائن أو تشكيل أو رمز عن فكرتك؟ مثالاً: لوحتك الطير والشجرة؟

=نعم، إن غياب الطبيعة أو المتممات إن صح التعبير عن معظم لوحاتي حيث تقتصر على روح الإنسان، وأقول الروح لأن المسار الذي أحاول السير فيه هو مسار الإنسان بدون أقنعة، وهو مسار يحمل الجنس البشري على اختلاف نوعه من ذكر أو أنثى. عندما نتحدث عن الروح نكون في مكان آخر خارج الطبيعة وخارج الزمن، نكون في مكان آخر ربما خارج الحياة، وقبل الموت، عالم الروح هو المجهول الوحيد الذي لا يحتاج إلى أي متممات من الطبيعة أو غيرها. إنه العالم العفوي الذي يربط بين العقل والقلب من خلال تغييب قوانين الطبيعة التي غالبا ما تكون قيداً يجب كسره في العمل الفني حتى يكون حراً وموجهاً إلى كل الإنسانية على اختلاف ثقافاتها وكذلك على اختلاف أزمانها. ولكنها لابد من أن تتحد بالروح التي هي اللغة المشتركة دون وجود أبجدية من أحرف لهذا الاتحاد.

 

-القضايا التي يطرحها فن التشكيل على اختلافها، لها منشأ وجذور ومنها يتبع لمدارس فنية. وكونك فنان أكاديمي لربما تأثرت بمدارس فنية معينة أو فنانين عالميين أو محليين؟

=إن المدارس الفنية وكثرة تنوعها على مر تأريخ الفن كانت تتطور مع تطور الحياة الإنسانية إلى حد ما. ولست بصدد الشرح عن تاريخ الفن وتتطور المدارس الفنية، لكن ما أحب قوله: الفن العفوي التابع من القلب، غالباً ما يكون قادراً على كسر قيود وقوانين المدارس الفنية وفي نفس الوقت يكون قادراً على مزج أكثر من مدرسة في نفس الوقت وربما يكون قادراً على خلق مفهوم جديد في الفن أو بأقل تقدير قادراً على فتح نافذة مختلفة للرؤية. ربما تكون أوسع من الكثير من الأبواب التي تحمل عناوين أو مدارس معينة. لأن التأثر الفني بكل المدارس الفنية هو أمر ضروري، ولكن الأهم منه هو كيفية الخروج منها والسير في طريق يحمل التعبير من خلال الهوية الخاصة التي تحمل بصمة قادرة على فتح طريق جديد. فالتعبير الأعمق يصدر بالمزيد من العفوية والصدق.

 

السعادة في الخوف!
-اسمح لي بهذا السؤال (الفظ) وجوه لوحاتك (تخيفني) شكلاً وبُعداً! إنها مفعمة بالحزن والهم والخيبة والخذلان والألم والوجع. لماذا؟
=على العكس تماما أنا سعيد ولست غاضباً لأن وجوه لوحاتي تخيفك أو تخيف البعض أو الكثيرين، إن الخوف أو الفرح أو الحزن أو الغضب أو اليأس أو الأمل إلى غيرها من المشاعر الإنسانية. كل هذه المشاعر هي التي تعطينا صفة الإنسانية وعندما نخاف من لوحة ما هذا دليل على أن هذه اللوحة دخلت أعماقنا وخاطبت أعمق من العقل، حيث كسرت الحواجز ووصلت إلى داخل المتلقي. وهنا يصبح الحوار بين اللوحة والمتلقي هو حوار يتجاوز أبواب المنطق والأعراف والقوانين. هذا طبعاً ينطبق على كل المشاعر التي نحسها أمام العمل الفني. فربما وجه آخر من وجوهي يعطيكِ شعوراً بالأمل او بالأمان. لكنني سعيد لأن وجوهي وصلت إلى أن تحرك المشاعر متجاوزة حدود التحليل المنطقي العقلي.

 

عيون ووجوه مستحيلة
-ثمة إصرار على هيئة الوجه المستطيل والعيون الجاحظة لشخصيات لوحاتك الغريبة، هل من دلالات لها غير ابتكار وجه جديد مستحيل يحمل بصمتك وهويتك؟

=ملاحظة صحيحة.. الشكل المستطيل للوجه هو في معظم اللوحات. بالإضافة إلى شكل العيون التي جحظت وخرجت من هول الضغوط  وباتت “مستحيلة” تحولت من شدة الدهشة! أعتقد هذا الاختيار ضرورة الصهر لإعادة التشكيل ضمن هوية وبصمة خاصة تحمل في طياتها توقيع الروح.

 

– رغم سيطرة الألوان المبهجة!على شخصيات أعمالك الفنية، فإن –الكثير- من أفكار تلك الأعمال (مأسوية سوداوية) هل هي الرغبة في أن تعكس الأفكار حيواتنا ومصائرنا؟.

=صحيح، الكثير من لوحاتي تعكس حالة من الحزن أو ربما أكثر من الحزن. وربما ذلك نتاج ما نعيشه في هذه الفترة من ألم كبير نتيجة هذه الحرب، ولكن إذا دخلنا في أعماق كل لوحة سوف نجد نافذة للأمل تشرق منها الحياة وذلك لأن الفرح والحزن هما وجهان لعملة واحدة! نحن نعيش الألم ولكن نتنفس الأمل،  ربما تتغير اللوحات مع تغير الظروف التي نعيشها ولكن الهوية والبصمة سوف تعيش وتحمل رسالة الروح إلى الأبد.

تشكيليون في أزمة !
-كيف تنظر إلى الحركة التشكيلية في سورية؟ لربما فنان نشط  مثلك في ساحة التشكيل يرى معوقات ما قد تتصل في بيع اللوحات وتداولها وعرضها خارجياً وعدم تقييمها في الإعلام المحلي، على نحو أفضل منا نحن المتلقون؟

=أعتقد أن الحركة التشكيلية في سورية تمر بأزمة كبيرة- رغم كل ما يقال مديحاً بها- فهناك الكثير من المعوقات التي تقف في وجه الفنان التشكيلي! طبعا أسباب هذه المعوقات متعددة جداً، فهناك مشكلة المجاملة والشللية بين الكثير من الفنانين وكذلك البعض من النقاد! وهناك أيضاً مشكلة القائمين على تقييم الأعمال الفنية ومن هم في موقع المسؤولية عن هذا التقييم، وعن كيفية التعاطي مع العمل الفني بتجرد عن اسم صاحبه وعن علاقتهم الشخصية معه! هذا فضلاً عن مشاكل أخرى تتصل بالوضع الاقتصادي المتردي لمعظم الفنانين، وعدم القدرة على إعطاء كل ما عندهم من مخزون، بسبب ظروف الحياة القاهرة التي يعيشها أغلبنا.

 

أثر يتركه الفنان
-يرى البعض أن فائدة المعارض الجماعية تقتصر على ضمّها في C V وأرشيف الفنان. بينما يرى فريق آخر أنه تعمل على التعريف بالفنان ولوحاته وفنه وتبادل الثقافات والخبرات. كيف ينظر خالد الحجار إلى المشاركة في المعارض الجماعية؟

=أعتقد أن المشاركة في المعارض الجماعية تضيف نوعاً من الاطلاع على تجارب الغير والاستفادة منها وفي نفس الوقت هي فرصة من أجل تلاقي الفنانين وتبادل الآراء. وأحياناً تلقي شهادات التقدير وجوائز التكريم. لكن موضوع السيرة الذاتية وغيرها من تلك التبويبات لا أعتقد أن لها كثيراً من الأهمية لأن ال cv يكتب من خلال الأثر الذي يتركه الفنان وليس من خلال عدد السطور أو الصفحات. إن أي عمل تشاركي هو عمل جيد سواء كان معرض أو غيره.

 

إلى فرنسا فأوروبا
-لديك معارض فردية، وبالمثل لوحاتك تنتشر في عدة دول، فرنسا على سبيل المثال. لا أدري هل فنان تشكيلي مثلك معنيّ أن يُعرّف بفنه ونصوصه اللونية، أم ثمة جانب بتصل بالمنشأ وبأهمية تعريف العالم على الحركة الفنية التشكيلية السوري؟

=إن أي إنسان لديه انتماء إلى مكان أو مجتمع معين، وإلى أحباء من حوله من بشر وأرض وسماء. أما الوطن فالانتماء إليه هو الرابط الكبير الذي يجعل من أي نجاح في أي مكان في العالم غير كامل إذا لم يتمم هذا النجاح في وطنه. نعم لدي الكثير من اللوحات في الكثير من دول العالم وخاصة في باريس. ولكن دائما يكون الشعور هو الأمل أن تكون هذه النجاحات أيضاً في الوطن، فلها طعم مختلف معجون بطعم التراب الذي منه ولدنا. وبودي أن يطلع الغرب على نتاج الفنان السوري المتميز. أما حول العرض في الخارج فهذا أمر مختلف تماماً. لأن المفاهيم مختلفة جداً عن ما نواجهه هنا. فالعمل الفني يفرض نفسه دون أي محاربة ولكن تبقى صعوبة الانتشار، وذلك بسبب صعوبة نقل اللوحات ومعوقات أخرى، كما أن بيع اللوحات هناك لا يخضع للمزاجية والمعارف والعلاقات وإنما يكون العمل الفني هو المقياس فقط وبتجرد عن أي شيء آخر.

 

-بعد انتهاء معرضك الأخير، قرأنا في بورشور ولوحات وإعلانات عن اشتراكك قريباً في أكثر من معرض ومسابقة خارج سورية؟

=إن وجود شخص مخلص في الخارج يمكن أن يكون له دور كبير في فتح الأبواب لفنان لديه بصمة جديدة في مساعدته على اجتياز الحواجز، والوصول إلى النور. وهنا لابد من أتوجه بالشكر الكبير ومن صميم القلب إلى الصديقة الغالية ميشيل في باريس، التي كان لها الفضل الكبير من خلال الجهود التي بذلتها وما تزال في تسليط الضوء على أعمالي الفنية من خلال العديد من المعارض المهمة جداً في باريس ومنها في اوروبا بشكل عام. وهناك نشاطات جديدة عبر المشاركة بمسابقة فنية في الشهر الثاني من عام ٢٠٢٠ مع معرض كبير. وكذلك معرض آخر أيضاً مهم جداً في الشهر الرابع من نفس العام، وتم توقيع العقود الإدارية لذلك. بالطبع كل هذا كان من الصعب أن يتم لولا مساعدتها، لذا أشكرها جداً من خلال “الوسط”.

 

الفن بوابة الأبدية
-نجيب على الأسئلة الكبيرة، وقد لا نجد تعريفاً للفن. ما هو الفن؟

= الفن بالنسبة لي هو بوابة العبور بين الحياة والموت واننا سوف نعيش للأبد ولا أعرف شكل تلك الحياة الأبدية ولكن أستطيع الشعور بها. لقد قطعت وعداً في إحدى لوحاتي أن يكون لقائي بابني الراحل في الأبدية وأنا أشعر أن الفن هو بوابة الأبدية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى