إضاءات

الأقنعة الشفافة .. تفيد أبو الخير ..

إنها الحقيقة الأولى..

بدأت الحروب عندما أعلن أول إنسان ملكيته لقطعة أرض..

كان البشر يعيشيون أشبه بالقطعان، تجمعات تستقر وتتحارب على الأرض، لابد من توحيد الأذهان لمعرفة العدو من الصديق فكان الشعار المشترك .. شمس أو نار أو قمر أو ثور أو ريح أو صخرة .. أصبح الشعار يحمل بعض الأهمية لأنه الدليل المتفق عليه لفريق واحد.

وكل فريق أصبح له شعار مرسوم على جدار كهف أو يتوالد أمامهم إن كان ماموثاً أو فيلاً.

وفي حالات السلم يتحرك العقل، فتتطور أدوات الحضارة، وبالتالي يعيد الفريق النظر في شعاره، فإن وجده سفيهاً طوّره، انتقل من الثور إلى ثور مجنح أو حصان بقرون، أو نار عارمة، وقد يصل إلى اعتبار الشمس شعاراً نهائياً.

وهكذا تطور الفريق المكون من مجموعة من العائلات المتحالفة إلى قبيلة، وتحول الشعار إلى أقنوم مقدس، وأصبحت الحروب بين القبائل، وكلما قبلت إحداها أن تتبنى شعار أخرى أصبحتا متحالفتين، فأصبح الشعار هو رمز الاتفاق القبلي كما هو موحد الأسر، وبسببه تحدث الانتصارات لأنه يضم القبائل المتحالفة ضد أعدائها، فلنكتب له الأشعار ونرسمه على الجدران ورؤوس الأعمدة، ولنتخيل ما يمكنه أن يقوله لنا .. هنا كانت بداية النصوص المقدسة.

الوظائف الأولى للعقائد كانت تتطور بشكل متسق ولكن ببطء، هذه التفاصيل استدرجت آلاف السنين وربما أكثر.

دارت عجلات الحضارة، وأصبحت الحاجة ملحة للفكرة الجامعة والشعار الذي يستظل به الجميع في القبيلة الواحدة، لكي تصدر عنه قوانين تخفف من الموت والألم والانتهاكات داخل القبيلة الواحدة، ومن سيقبل الأمر أو النصيحة إلا إذا كانت صاردة عن الشعار المقدس.

وهنا كان الظهور الأول للكهنة، إنهم الناطقون باسم الشعار المقدس العظيم، وهكذا صدرت أولى قوانين الأحوال الشخصية.

 

الحقيقة الثانية ..

أول إنسان نظر إلى السماء، بدأ العلم.

كان التفكير في الطبيعة ومحاولة تفسير الظواهر والأحداث التي يتفاجأ بها الإنسان يزداد يوماً بعد يوم، الموت المفاجئ للكائن الحي، الرياح الشديدة، الجليد، ولادة الثدييات، تفتح الزهور، البركان والزلزال..

كلنا نعلم ماذا حدث في الآلاف الثلاثة الأخيرة المنصرمة، وما كان للعقائد من دور مهم في رسم خارطة العقل، وخارطة الأرض.

إلا أن الحروب لم تتوقف .. تنحَّت القبيلة وصارت الدولة، وتراجعت العقيدة وتشكلت الأحزاب، إلا أن العالم .. ولأنه كبير، مازلت تجد فيه لها عقيدة، ودولة منقوعة بمصل الأحزاب، ودول تفوقت على واقع غيرها فحولت العقائد والأحزاب إلى مجرد تشريفات لمساعدة العقول البسيطة لكي تستجمع طاقتها وتلحق بركب المدنيّة المعاصرة.

أين نحن من المدنية المعاصرة؟.. مدنيّة العقل أولاً

عبثاً .. نحاول أن نخرج أقدامنا من المخاضة.

لسنا مذنبون في اختيار الطريق فالتاريخ له مسارات محددة لابد لنا من خوض واحدة منها، ومهما كنا حذقين في انتقاء الوجهة المثلى إلا أن الحقيقة في النهاية ستنجلي على أن كل المسارات تتصل فيما بينها كأنها الأواني المستطرقة.

لماذا نقبع وبعض الشعوب والأمم في الدرك الأسفل من الحضارة؟ وقد كنا على وشك أن نصل إلى جبال الألب نخلة إثر نخلة، بأقل دموية ممن دخلوا الهند قبل مئة عام أو دخلوا إلى العالم الجديد وأستباحوا أرضه وقبائله، واستعبدوا الأفارقة أربعة قرون متواصلة.

لقد استثمروا العقل فحكموا العالم، ابحثوا عن عقولكم، فالله موجود في كل مكان، هو يطلب ذلك منكم.

لن نخرج من مخاضة الآلام قبل أن نفتح الطريق للعقل، ستجدون كل النظريات والشعارات والأردية والستائر التي تراكمت على وجوهكم منذ مئات السنين حتى اليوم .. ليست سوى أقنعة شفافة.

*إعلامي وكاتب .. سوريا

 

لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى