الأديبة الإيرانية مريم ميرزاده : الثقافة الإيرانية تنتظر أن يكتشفها “كولومبوس” العربي .. ووجودي عربي لأنني أفكر بالعربية
تتمنى استمرار الوعي واليقظة لدى الشعب اللبناني ..

|| Midline-news || – الوسط …
حـوار : روعـة يـونـس
تلمست الدرب الصحيح عبر كل أدب خاضت غماره، سواء عبر الرواية ، القصيدة ، القصة ، الترجمة ، المقال أو الرسم .. فكل ما يهم مريم ميرزاده الأديبة الإيرانية – اللبنانية، أن يكون ما خطته حتى اليوم، خطاً قويماً من نور، يضيء عتمةً ما.
العاشقة للتاريخ والفلسفة والفكر والثقافة ككل . تمضي يومها بين الكتب، ففي فسحتها الخاصة هي إما ترسم أو تكتب أو تقرأ. وكل ذلك مكّنها من تسجيل حضور ثقافي، وفكري مستنير، ليس (فقط) في المعارض التشكيلية التي أقامتها أو خلال توقيع إصداراتها. بل أيضاً في مقالاتها الصحفية التي تعكس شخصية متوازنة واعية متزنة، لا شطط في طروحاتها، بل حرص على القارئ أن يصل شط المعرفة والحقيقة من وجهة نظرها، ونظر المنطق. وهي بذلك تعكس الوجه الحضاري للمثقفة الإيرانية، بروح الإنسانية الشاملة التي لا تقف عند جنسية، لأن وطنها الإنسان.
حس ثوري ..
:: لست أدري هل نبدأ بمريم الروائية أم الشاعرة أم القاصة أم المترجمة أم الرسامة أم المشرفة الثقافية في “فيلوسوفيا”؟ ما رأيك أن نبدأ من أول مشوار الشغف بالحرف؟
Ξ بدأ شغفي بالكتابة يظهر في عمر العاشرة عندما كانوا يطلبون منا في المدرسة كتابة مواضيع إنشائية، ثم كتابة نصوص في المناسبات، مثل ذكرى “الحرب اللبنانية” و”مجزرة قانا” وغير ذلك، وكنت بمساعدة أبي أحاول كتابة قصائد موزونة وألقيها أمام الطلاب. وكان إعجاب أبي والمعلمين والطلاب يدفعني دائماً لكتابة المزيد.
:: ثمة حس ثوري- إنساني، يجده القارئ في كل كتاباتك، ماذا عن جذور هذا الحس؟
Ξ لا شك أن قضائي مرحلة طفولتي في لبنان وأدبيات الحرب ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي التي كانت قبل ولادتي، واستمرت طوال سنوات طفولتي، جعلني أنشأ على هذا الحس الثوري الذي لا ينفك يرتبط بالقلم والأدب والعاطفة الملهمة.
روايات الشعر ..
:: لديكِ إصدارات عديدة تنتمي إلى معظم الأنماط الأدبية، إنما أليس غريباً البدء بالرواية- أصعب نمط أدبي، وفي سن صغيرة نسبياً؟
Ξ روايتي الأولى “عروس الحرب” لم أكتبها بقصد أن تكون رواية. لقد بدأت بكتابة خواطري بطريقة السرد، ثم أخذت أبدل أسماء بعض الأفراد في حياتي داخل الرواية. وحين اكتملت أحببت أن يقرأها ناشر. وبالفعل حين قرأها أعجبته وشجعني على نشرها. ورغم علمي أنها لا تتمتع بالشكل المتعارف عليه للرواية، إلا أني أحببت لها أن تبصر النور ويقرأها الناس. ربما نحن لا نكتب إلا ليقرأنا الآخر. يقول أمبرتو إيكو “النص الوحيد الذي يكتبه المرء لنفسه هو قائمة المشتريات” وعرفت بعد نشر وتوزيع الرواية، من خلال الأصداء الإيجابية نأني لم أكن أكتب خواطري فحسب!
:: على الرغم من طرحك رواية ثانية “الشاي الأخير” وحصدت إعجاباً وثناءً وانتشاراً دفعك لإعادة طباعتها، لم تكملي في عالم الرواية، وانتقلتِ إلى الشعر وأصدرتِ مجموعة شعرية؟
Ξ لا زلتُ أشعر بالامتنان لكل من رأى بأني شاعرة. لأنه في الحقيقة الميل إلى الشعر بدأ قبل دخولي عالم الرواية، حيث كنت أكتب الشعر الموزون، ثم ملتُ أكثر نحو النثر والشعر الحديث. والسبب هو إلحاح الصور الشعرية على مخيلتي أكثر من انتظام القوافي. والشعر كما قالت “فروغ فرخزاد” هو: شعورٌ وليس بالضرورة نظماً.
القدرة على الإدهاش ..
:: طرقتِ في الكتابة والنشر معظم أنماط الأدب. إذ أصدرتِ مؤخراً مجموعة قصصية. ألم تشكّل الرواية ثم الشعر مساحة كافية لتعبّر مريم وتعبُر؟
Ξ بعد تجربتي مع الرواية والشعر، أدركتُ فعلاً بأن القصة قادرة على أن تكونَهما معاً. التكثيف والاختصار في القصة يجنّبان الكاتب الوقوع في فخ السردية والحشو. وكذلك تعزيز القصة بالخيال الشاعري يمنحها طابعاً نثرياً وصوراً شاعرية. القصة أكثر قدرةً على الإدهاش وإثارةً لرغبة قراءة المزيد. وحين يتكون بداخلي نواة لفكرة ولغة وشعور، أدعها تولد وتنمو في أي هيئة أو نمط إبداعي قصة أو رواية أو شعر- دون قلق بما سيكون لقبي (شاعرة أم قاصة أم روائية).
الملاذ الأخير ..
:: ما بين الروايات والمجموعات الشعرية والقصصية أقمتِ معارض فنية، فأنتِ أيضاً فنانة تشكيلية، وبعض لوحاتك أغلفة لإصدارات أدبية؟
Ξ الرسم كان عشقاً قديماً.. وبقي هكذا. وما يزال هواية الطفولة لأني أرسم طفولتي والحياة دون قيدٍ ولا قوانين. لعل هذا كان السبب في عدم توجهي لدراسة الرسم أكاديمياً! فرغم كل شيء لا أتوقف عن الرسم، فهو رفيقي الدائم وملاذي الأخير.
عشق قديم ..
:: بالطبع لا يمكنني تجاهل كونك “مترجمة” تنقلين عن وإلى- بعدة لغات. وصحيح أنكِ نشأتِ وكبرتِ في لبنان، لكن القارئ لكِ لا يكاد يعرف أي اللغات اكتسبتها أولاً، خاصة أن إصداراتك كلها باللغة العربية؟
Ξ ينتاب القارئ هذا الإحساس أو التساؤل لأنني أكتب اللغات كأنها الأصل لدي. فاللغة الفارسية كانت لغتنا، لأننا نحن في الأصل أسرة إيرانية ونجيد الفارسية بطبيعة الحال. أما العربية فاكتسبناها كذلك في البيت والمدرسة حيث أن أهلي نشأوا في العراق، وأمي تتحدث العربية في البيت. إضافةً إلى نشأتي في لبنان واكتسابي قواعد اللغة العربية والانجليزية في المدارس. وقد كان أبي يعمل في مجال الترجمة والدوبلاج، وكان يكتب الشعر.. فعشقت الترجمة ومارستها في سن صغيرة.
بتقديرك ما الذي تحتاجه الثقافة الإيرانية في عصرنا الحالي؟
Ξ الثقافة في ايران بمثابة محيطٍ جغرافيٍ ينتظر “كولومبوس العربي” كي يكتشفه ويحفر في جوفه وينقب عن خباياه. ولعلني هويت الترجمة حرصاً على نقل بعض ما في هذه الارض من ثقافةٍ مفارقة للثقافة العربية، تضيف إليها الكثير وتثريها بروحٍ جديدة.
مكتبة رائدة ..
:: أخبرينا، لمن قرأتِ من الأدباء، وبمن تأثرتِ؟
Ξ بدأت مبكراً مع جبران، إيليا أبو ماضي، ميخائيل نعيمة، ثم نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، نزار قباني. ثم اتجهت صوب الأدب الروسي. وبعده الإنجليزي ثم اللاتيني الساحر. من الكاتبات أحببت الأخوات برونتي، مارغريت اتوود، اغاتا كريستي، وكثير غيرهم..
:: تشرفين حالياً على مشروع ثقافي في لبنان كان حلماً وتحقق.. حدثينا عنه؟
Ξ مكتبة ومشروع “فيلوسوفيا” ليست مكتبتي، لكنني كنت محظوظةً باقتراح صاحبها الأستاذ عباس فقيه بأن أكون من المشاركين في تأسيسها، وكان أن وضعتُ من روحي فيها، لوحاتي وكتبي واسم فيلوسوفيا، وتوليت حالياً إدارة وتنسيق النشاطات الثقافية فيها. هي أكثر من مكتبة حقاً، وتتيح للزوار الإطلاع والمطالعة في ثقافات الشعوب.
المواجهة بالفكر والثقافة ..
:: نشهد الآن المظاهرات اللبنانية، ولعل العاطفة ضرورة لروح الثورة. لكن استمرارية الثورة يلزمها الكثير من الحكمة والدراية؟
Ξ صحيح هذا ما أقوله. والبعض ينحو منحىً خارجياً ليس من شأنه إلا تشتيت التركيز عن الهدف. الاحتفالات -المستبقة للأمور- وأغاني النوادي الليلية ورقص المتظاهرات بأزياء ممزقة عارية، والأرجيلة وبعض (التحشيش والسُكر) خلال السير في المظاهرات ليلاً، ليس صوتاً مرتفعاً في وجه الظلم، ولا مطالبةً جريئةً بحقوق الشعب. لعله على العكس من ذلك، تجسيدٌ لما قد يكون العائق خلال سنواتٍ مضت وستأتي، أمام تحقيق أهداف التغيير والإصلاح، ومنفذاً تستغلّه الأيادي المخرّبة لقطف الغاية من هذا النهوض الشعبي الواعي.
:: اختلاف الثقافات والمجتمعات وطريقة الحياة والتعبير تختلف ما بين إيران أو سورية أو مصر أو فلسطين.. ولبنان؟
Ξ أياً تكن الظروف والاختلافات بين المجتمعات، فالثورة في كل أنحاء العالم لا اسم لها سوى مواجهة الظلم وتحدي الظالمين. وبالنسبة لي أرى أنه سواء كان اللبناني مع البقاء في الشارع أم الانسحاب منه، أدعو وأتمنى لهذا المستوى من الوعي واليقظة اللذين لمسناهما لدى الشعب أن يستمرا، وفي مختلف الجبهات. أي نفي كل مظاهر الشغب والفوضى و”المياعة” و”الإثارة” و”لفت أنظار العدسات” و”الصراخ” الذي يصمّ الآذان عن فهم المطالب. فالمواجهة تكون بالفكر والثقافة وحشد الوعي وتعبئة النفوس بالعزيمة الطيبة وإرادة الخير ودحر الظلم هو مطلبُ المطالب..
مهد الروح ..
:: يحضر لبنان الجميل في مقالاتك، وفي شغفك وشوقك ودفاعك عنه.. أي موطن هذا يا مريم؟
Ξ لبنان طفولتي، مراهقتي، حاضن علمي وثقافتي. الوفاء للبنان شعورٌ فطريٌّ يشكل جزءاً من كينونتي. فكل ما تعلمته تمتد جذوره الى هذه الأرض، وكل ما جاء لاحقاً بنيتُه فوق ما كوّنتُه في لبنان. فهو موطني الآخر.. مهد الروح.
وجودي عربي ..
:: في معظم إصداراتك وكتاباتك، ثمة استحضار لتاريخ المنطقة مشفوعاً بالحب للعروبة والدفاع عنها، حداً أنك تكتبين باللغة العربية، واسمك في وسائل التواصل الاجتماعي مدوناً بالعربية لا الفارسية ولا الانجليزية!
Ξ أحب التاريخ نعم.. لأنه هوية حاضرنا. فمن نكون ومن أين أتينا وكيف حللنا في موطننا دون سواه؟ أليس كل ذلك تاريخاً؟ أما التراثيات وبعضها “مشترك” فهي تاريخ حضارتنا. ومن لم يفهم منطقته وشعبه ويعرف تراثه، لا يستطيع أن يسير نحو التقدم والتنوير. أنا أعتز أن العربية لغتي. لغة الفكر. وطالما أنا أفكر بالعربية، إذاً وجودي عربيّ.