اغتصاب وافتراء (2) .. بسام العطري

|| Midline-news || – الوسط …
أطرقتْ برأسها قليلاً، ثم قالت: لا علم لي بموضوع الاغتصاب أبداً، لكن إليك ما حصل.. على خلفية الخلاف الحاصل بين الرجل وزوجي بسبب تركة والده جاء الرجل إلينا يوماً وقرع الباب، ففتحتُ له الباب وأخبرته أن زوجي ليس بالبيت، فاحتد وطلب مني إخباره أنه حضر وسأل عنه وطلب أن يأتي إليه.. وعندما أخبرت زوجي بما حصل أجرى اتصالاً هاتفياً، ثم طلب مني أن نتوجه إلى قسم الشرطة لتنظيم ضبط بحق الرجل بأنه حضر إلى بيتنا وهددني وشتمه فقط لا أكثر، وعندما اعترضتُ على ذلك وقلتُ له أن الموضوع لا يستحق، غضب وأصر على ذلك واعتبر ها فرصة لتأديب الرجل والضغط عليه.
تابعت: توجهنا إلى قسم الشرطة حيث انتظرته بالسيارة، فأخذ هويتي وغاب لفترة من الزمن ثم عاد وأدخلني إلى القسم حيث بصمت على الضبط دون أن أعرف محتواه الذي يبدو أنه تلاعب به واختلق في أحداثه على هواه. وأقسم لك أنه لا علم لي بموضوع الاغتصاب، وما كنتُ لأرضاه أصلاً لو علمتُ به لأنه إساءة كبرى لي..
تبيّنتُ الصدق في أقوالها، فقلتُ لها: نحن الآن أمام أمر واقع لا بد لنا من مواجهته وعلاجه، وما ذكرته لي الآن لا يأخذ به القضاء لأنكِ أنتِ من وضع بصمته على الضبط لدى قسم الشرطة.. لا بد لزوجك أن يتحمل مسؤولية فعله ويأتي إلى دائرة قاضي التحقيق فيعترف بما فعل، وإلا الأمور ستجري على الشكل الذي أخبرتكِ عنه.
ابتسمتْ بمرارة وقالت: لقد طلقني زوجي بناء على طلبي بعد أن ضقتُ ذرعاً بسلوكه الوضيع وسهره المتواصل في الأماكن المشبوهة وما يتبع ذلك من تصرفات، وأي ضرر سيلحق بي فسوف يكون من دواعي سروره وفرحه نظراً لما يكنّه لي من كره وحقد. سألتها: هل لديكِ شهود على واقعة اصطحابه لكِ إلى قسم الشرطة وعدم دخولك عند تنظيم الضبط؟ أجابتني: لقد كنا وحدنا ولا يوجد أي شهود على ذلك. أطرقتُ قليلاً وقلتُ لها: أمامنا الكثير الكثير من العمل الصعب، فالجرم الذي ادعيتم به على الرجل هو الشروع بالاغتصاب يعني جناية، وبالتالي فإن افتراءكم أيضاً يعتبر جناية، لأن الافتراء يدور في فلك الجرم المدعى به من حيث التوصيف القانوني له، بمعنى مختزل أنتِ الآن متهمة بجناية، أنصحكِ بالابتعاد عن الأنظار في الوقت الحاضر إلى أن نتمكن من إيجاد حل لهذه المشكلة.
راجعتني مساءً في المكتب بغرض التنسيق لإيجاد حل. كان الحل الأنجع الذي فكرتُ به هو التواصل مع الرجل الذي ادعى عليها بالافتراء والعمل على استرضائه للتوصل معه إلى تسوية نقنعه من خلالها بإسقاط الحق الشخصي والتنازل عن الادعاء الذي تقدّم به، وبذلك يبقى أمامنا فقط الشق المتعلق بالحق العام، وهذا يمكننا معالجته لاحقاً بأكثر من طريقة.
أخذتُ منها اسم الرجل ورقمه واتصلتُ به في اليوم التالي وتواعدتُ معه على اللقاء في مكان عمله.فاستقبلني الرجل في الموعد المحدد، لكن عندما فاتحته بسبب الزيارة تغيرت ملامحه وتبدلت لهجته معي وبدأ يحتد وقال لي: لقد تآمرتْ عليّ هي وزوجها يا أستاذ، كانا يبغيان زجي في السجن بهذه التهمة الشائنة، وأنا رجل لي سمعتي وعندي زوجة وأولاد. آسف يا أستاذ لن أُسقط حقي ولن أتنازل مهما كان.
رغم الأجواء غير المشجعة للقاء إلا أنني لم أيأس خصوصاً أن انطباعي عن الرجل كان إيجابياً رغم عصبيته. بدأتُ البحث في دائرة معارفي على شخص يعرف الرجل ويستطيع أن يمون عليه، إلى أن وفقني الله بصديق يرتبط بعمه بعلاقة عمل وثقة كبيرة تمتد لسنوات، فشرحتُ له الموضوع بالتفصيل بكل ملابساته، فوعد بمساعدتي. وفعلاً تفضّل الصديق بأن قام بزيارة صديقه (عم الرجل) وشرح له الوضع وتفاصيل القضية، وما آلت إليه أوضاع موكلتي بعد أن طلقها زوجها، وعزف على وتر أن الزوج هو من وّرطها بالقضية، وهي لا حول لها ولا قوة وهي اليوم مطاردة من قبل الشرطة. لبّى الرجل نداء النخوة واتصل بابن أخيه وأخبره أنه سيزوره غداً برفقة شخصين آخرين من أجل موضوع خاص. في الموعد المحدد كنا نقرع باب الرجل الذي استقبلنا بحفاوة فترت إلى حد ما عندما رآني فأدرك سبب الزيارة، وما أن قدّمت زوجته لنا القهوة حتى بادره عمه بالقول: عم.. ليس منا من يستقوي على النساء. تلك المرأة ليست خصمك، خصمك هو زوجها، وقد قام بطلاقها، ولم يعد هناك رابطة تربط بينهما، وهو استغلها وورطها دون معرفة منها أو علم. الله يرضى عليك هذا الموضوع يجب أن ينتهي غداً…
أطرق الرجل برهة، ثم رفع رأسه مخاطباً عمه: حاضر عم.. غداً سأطلب من المحامي التنازل وإسقاط الحق الشخصي على أن يتكفلوا هم بأتعابه. قاطعه العم بلهجة حاسمة: يكفي المرأة ما أصابها.. أتعاب محاميك أنا سأدفعها. أحس الرجل بالحرج، فقال: لا.. عم، خلص الموضوع وأنا متكفل به. أمرك عمي..
بالفعل في اليوم الثاني اتصل بي المحامي وكان ودوداً للغاية وتقدّم بإسقاط الحق الشخصي وتنازل عن الادعاء، وبذلك لم يبقَ أمامنا سوى معضلة الحق العام، وهو موضوع رغم أنه أقل صعوبة إلا أنه ليس سهلاً.
تركتُ الموضوع يومين حتى يكون قد هدأ قليلاً، ثم قصدتُ مكتب قاضي التحقيق وبعد أن سلّمتُ عليه استأذنته بشرح الموضوع مفصلاً. فأنصتَ إليّ باهتمام كبير وأنا أشرح له كل تفاصيل الموضوع، وساعدني كثيراً في ذلك أنه كان يعرفني سابقاً ويعرف أنني لا ألجأ في عملي إلى الأساليب الملتوية، فتلمّس الصدق في أقوالي وأيّدتها بأن الرجل نفسه عندما تبين حقيقة الأمر تنازل عن ادعائه، وفي ظل تجاوبه أحضرتُ موكلتي فاستجوبها وتركها دون توقيف، وقدّمتُ له مذكرة شرحتُ فيها تفاصيل القضية، إلا أنها كانت حالة من الحالات التي نرتطم فيها بالنص القانوني الذي لا إفلات منه!
وهنا وجدتُ أن الخيار الوحيد والمتاح بعد أن تم استجواب موكلتي واسترداد مذكرة إحضارها هو المماطلة وتبطيء الإجراءات بانتظار صدور مرسوم بالعفو العام. وفعلاً بعد حوالي ستة أشهر صدر مرسوم بالعفو العام وشمل القضية، فانتهت بذلك بعد جهد جهيد وتعب واستنزاف أعصاب لي وللموكلة كنا في غنى عنه لو أن زوجها كان رجلاً فعلاً ولم يفترِ على خصمه بادعاء كاذب، أو لو كانت هي على درجة من الوعي ولم تمنح ثقتها لشخص لا يتسم بصفة من صفات الرجولة، زجّها بقضية جنائية وتنكّر لها بعد ذلك، ولم يكلف نفسه عناء السؤال عنها أو متابعة مصير الدعوى حتى، وتركها عرضة للتوقيف ولصدور حكم بالسجن عليها، لولا لطف من الله وتوفيق منه في عملنا الذي أفضى إلى نجاتها من ذلك المأزق.